للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أحمد: أنه لا يُسْتوفَى من الملتجئ قصاص النفس، ولا قصاصُ الطَّرَف، واحتجَّ الأصحاب على أبي حنيفة بالقياسِ على ما سلَّم، وأيضاً بأنه قَتْلٌ، ولو وقع في الحَرَم، لم يوجب ضماناً، فلا يمنع منه، كقتل الحية والعقْرب، ولو التجأ إلى المسْجد الحرام أو غيره منَ المساجد، فيُخْرَج مِنْه، ويُقْتَل؛ لأن هذا تأخيرٌ يسيرٌ، وفيه صيانة للمسجد، وفيه وجه أنَّه تُبْسطُ الأنطاع، ويُقْتَل في المسْجِد تعجيلاً لتوفية الحقِّ وإقامة الهيبة (١).

الثانية: لو قطع طرفه، فمات بالسراية، فسيأتي أن القصاص يُستوفَى بمثله، فإذا قطع المجنيُّ عليه طرَفَه، فله أن يحز رقبته في الحَالِ، وله أن يُؤخِّر، فإن مات بالسراية، فذاك، وإن لم يمت، حَزَّ رقبته، وذلك؛ لأن المستحَقَّ إزهاق الرَّوح، فإن شاء، عَجَّل، وإن شاء، أَخَّرَ، ويجوز أن يُعْلَم بالحاء قوله: "فللولي قطع طَرَفه" لما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثالثة: لا يُؤَخَّر قصاصُ الطرَف لشدَّة الحرِّ والبرْدِ، ولا يُعْذَر المرض، وإن كان مخطراً، وكذلك الجَلْدِ في القذْف، بخلاف قطع السرقة، والجَلْدِ في حدود الله تعالى؛ لأن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة، وحقوقُ العبادِ على المضايقة، هكذا أورده صاحب الكتاب، وهو المذكور في "التهذيب" وغيره؛ وفي "جمع الجوامع" للرويانيِّ: أنه نصّ في "الأم" على أنه يُؤَخَّر قصاص الطرَف بهذه (٢) الأسباب، ولو قطع من غيره أطرافاً، ووجب فيها القِصاصُ فللمجني عليه أن يقتص على التوالي، سواءٌ قطعها الجاني متفرِّقة أو متوالية؛ لأنها حقوق اجنمعت عليه، وفيه وجه أنه إذا قطَعَها متفرِّقة، يقتص منها كذلك لما في الموالاة من زيادة الخطر، ووجه أنه لا يوالي بينهما، وإن قطَعَها متواليةً، والظاهر الأوَّلُ؛ [لأنها حقوق واجبة في الحال.]

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلاَ يُؤَخَّرُ إلاَّ بِعُذْرِ الحَمْلِ عنْدَ ظُهُورِ مَخَايلِهِ، وَلاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ دَعْوَاهَا عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، ثُمَّ يُؤَخَّرُ إلَى الوَضْعِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهَا مُرْضِعَةً فَإلَى أَنْ يُوجَدَ، وَفِي الحَدِّ يُؤَخَّرُ بَعْدَ الفِطَامِ إلَى أَنْ يَكْفُلَهُ غَيْرُهَا، وَلاَ يُحْبَسُ فِي الحَدِّ، وَلاَ يُتْبَعُ الهَارِبُ، وَيُحْبَسُ فِي القِصَاصِ الحَامِلُ.


(١) قال النووي: ولو التجأ إلى الكعبة، أو إلى ملك إنسان، أخرج قطعاً. والله أعلم.
اعترضه في المهمات بأن في التتمة حكاية وجه ورد بأن الذي في التتمة موافق لكلام الشيخ وأن في البحر حكاية وجه أنه يبسط له الإقطاع.
(٢) هذا الخلاف محله إذا لم تقع الجناية في مثله بأن وقعت الجناية في حال اعتدال الهواء فأخر المطالبة إلى الحر والبرد، أما إذا جنى عليه في زمان شدة الحر والبرد ويستوفي في ذلك الزمان بلا خلاف قطع به في التتمة وهو ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>