قَالَ الرَّافِعِيُّ: المرأة الحاملُ لا يقام عليها قصاصُ النفس، ولاَ قَصاص الطرَّفِ، ولا حَدُّ القذف ولا حدودُ الله تعالى قَبْل الوضْع؛ لما في إقامتها من هلاك الجنين أو الخَوْف عليْه، والجَنينُ بريْءٌ لا يُهْلَك بجريرة غيره، ولا فرْق بين أن يكون الولَدُ من حلاَلٍ أو حرامٍ، ولا بين أن يحدث بعد وجُوب العقوبة أو قَبلَه، حتى أن المرتدَّة إذا حبلتْ من الزنا، لا تقتل حتى تَضعَ، وإذا وضَعت، فلا تستوفي العقوبة أيضاً، حتى ترضع الولَد اللبأ؛ لأنَّ الولد لا يعيش إلا به، هكذا أطلَقَ المُعْظم حكماً، وتوجيهاً، والقاضي أبو الطيِّب منَع ما ذكروه، وقال: قد تموت المرأةُ في الطَّلْق ويعيش الولَدُ بلَبَن غيرها، ومال إلى أنَّها لا تُمْهَل لإرْضَاع اللِّبأ، وعلَّق الإِمام القول فيه، وقال: إن تُحقِّق أن الولَد لا يعيش دون اللبأ، فيُمْهَل إلى أن ترضعه، واعلم أن ما ذكره القاض من أن الوَلَد قد يعيش دونَه صحيحٌ معلومٌ بالمشاهدة، ولكن يشبه أن المُطْلِقِين أرادوا الغالبَ أو أنَّه لا يَقوَى ولا تشتد بنيته إلا به، على ما بيَّنَّاه في "النفقات"، وحينئذ، فلا يَبعُد أن يقال: مدة إرضاع اللِّبأ مدة يسيرة، فيحتمل تأخيرُ الاسيتفاء فيها؛ لنزول الخطَر عن المولود، يَكْمُل عيْشُه، ثم إذا أرضعته اللبأ، فإن لم يكُنْ هناك مَنْ تُرْضِع، ولا ما يعيش المولودُ به من لَبَنِ بهيمةٍ أو غيره، فعن ابن خيران: أنه يُسْتَوْفَى فيها القصاص، ولا يبالي بذلك، كما لو كان للقاتل عيالٌ يضيعون ظاهراً لو اقتص منْه، والصحيحُ المشهورُ: أنه لا بد من التأخير إلى أن توجد مرضعة، أو ما يعيش به أو ترضعه هي حوَليْن، وتفطمه؛ لأنه إذا وجَب تأخير العقوبة احتياطاً للحَمْل؛ فَلأنْ يجب، وقد تيقنا بالوضع وجودَه وحياته، كان أَوْلَى ولو بادر مستحِقُّ القصاص، والحالةُ هذه، فقتلها، فمات، ففي تعليق الشيخ أبي حامد: أنه قاتلُ عَمْدٍ يلزمه القَوَدُ إلحاقاً بما إذا حَبَس رجلاً في بيتٍ، ومنَعَه الطعام والشراب، وكذلك حكاه القاضي ابن كج عن النصِّ عن الماسرجسي، قال: سمعتُ ابن أبي هريرة، يقول: عليه دية الوَلَدِ، فقلت له: أليس لو غصب طعام رَجُل في البادية أو كُسْوته، فمات جوعاً أو بردًا، لا ضمان عليه، فما الفرق؟ فتوقَّف، فلما عَادَ إلى الدرْس، قال: لا ضمان فيهما جميعاً، وهذا مصيرٌ إلى نفي القصاصِ بطريق الأَوْلَى.
فهذا إذا لم يكن هناك ما يعيش به المولود أصلاً، ووراءه حالتان:
إحداهما: إذا أمكن تربيةُ المولود بمراضعَ يَتناوبْنَ عليه، أو بلبنِ شاةٍ ونحوه، ولم يوجد مرضعة راتبةٌ، فيُستحبُّ للوليِّ أن يَصْبِر لترضعه هي لِئلاَّ يَفسد خلقه ولا يسوء نشوءه بالألبان المختلفة ولبن البهيمة، ولو لم يصبر وطلب القصاص، أُجِيب، وفي المقدور عليه مما تَحْصُل به التربيةُ بلاغٌ.
والثانية: إذا وجد مرضعةً راتبة، وطلب المستحِقُّ القصاص، استَوْفَى، وإذا كان