للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك مراضعُ، وامتنعْنَ، فيجبر الحاكمُ من يرى منْهن بالأجرة (١)، والجَلْد في القذف كالقصاص. وأما الرَّجْم وسائر حدود الله تعالى، فلا تُستَوْفَى وإن وْجِدت مرضعة، بل ترْضِعُه هي، وإذا انقضت مدة الإرضاع، فلا يُستوفَى أيضاً حتى يوجد للطِّفْل كافلٌ، رُوِيَ أن الغامدية أتتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَاللهِ، إني لَحُبْلَى، قال: اذْهَبِي، حَتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْ بالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، فَقَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدّتُه قَالَ: اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ، أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَت: قَدْ فَطَمْتُهُ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجْلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِرَجْمِهَا" (٢) قال الإِمام: والفرق بين القصاص وبين الحدِّ ما تحقّق أن [حدود] الله تعالى تُبْنَى على المساهلة؛ ولذلك يُقْبَل الرجوع عن الإقرار فيها، وحقوقُ الآدميين تُبْنَى على التَّضْييقِ.

وتُحْبَس الحاملُ في القصاص، إلى أن يُمْكِن الاستيفاء، على ما ذكرنا فيما إذا كان في المستحِقِّين صبيٌّ أو غائبٌ وفيما إذا كان عليها الرجْم أو غيره من حدود الله تعالى، الظاهر، وهو المذكور في الكتاب: أنها لا تُحْبَس؛ بدليلِ قصة الغامدية، وحكى الإِمام وجْهاً أنها تُحْبَس كما في القصاص، قال الإِمام: وإطلاق هذا بعيدٌ، والأقرب أن يُقيَّد فيقال: إن ثبت بالبيِّنة، فتحْبَس، أما إذا ثبت بالإقرار، فلا معْنَى للحَبْس، مع أنه يعرض للسقوط بالرجوع عن الإقرار، ومما يحقِّق الفَرْق بين الحدِّ والقصاص أن الهارِبَ في الحدِّ لا يُتْبَع على رأي، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في "الحدود" والهاربُ عن القصاص بخلافه.

وجميعُ ما ذكَرْنا فيما إذا ظهرت مخايلُ العمل ودلالاته بالإقرار، أو بشهادة النسوة، ولو ادعَتِ المرأة أنها حامِلٌ، فهل يُمْتَنَع عنها بمجرَّد دعواها؟ فيه وجهان:

قال الإصطخري: لا؛ لأن الأصل عدَمُ الحمل، فلا تترك إقامة [الحد] الواجب إلا بينة تقوم على ظهور مخايله، وقال الأكثرون، نعم؛ لأن للحمل أماراتٍ تظهرُ وأماراتٍ تخفى، وهي عوارض تجدها الحامل من نفْسها، وتختص بمعرفتها، وهذا النوع يتعذَّر إقامة البينة عليه، فينبغي أن يُقْبَل قولها، كالحيض، ولأن ما تدَّعيه محتملٌ احتمالاً لا بعد فيه، فلا وجه للهُجُوم على ما يُهْلِك الجنين، إن كانَتْ صادقة.

والأوَّل أصحُّ عند صاحب الكتاب، ورجَّح المعظم (٣) الثانِيَ، قال الإِمام: ولا


(١) أطلق الإجبار. وقال الروياني في البحر: هذا الإجبار لا يجوز ما دامت الأم موجودة باقية لأن حياة الولد بحياة الأم.
(٢) رواه مسلم [١٦٩٥] من حديث بريدة وسيعاد في الحدود.
(٣) قال الشيخ البلقيني: محل تصديقها حيث أمكن أن تكون حاملاً عادة فلو كانت آيسة لم تصدق واكتفى بدلالة الإياس، وهو معني قول الشَّافعي أو يعلم أنه لا حمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>