للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدري أن الدين اعتمدوا قولَهَا، يأمرون بالصبر إلى انقضاء مدَّة الحَمْل أو إلى ظهور المخايل، والأظهر الثاني، فإن التأخير أربعَ سنين غير ثبت بعيدٌ، وذكر في "الوسيط" أنَّ على الوجْه الأوَّلَ لا يمكن استيفاء القصاص من منكوحة يخالِطُها زوْجها، وهذا إن كان المراد ما إذا ادعت الحَمْلَ، فكذلك، وإن أراد أنه يمنع الاستيفاء لِمجرَّد المخالطة والوطء من غير دعواها الحَمْلَ، فهو ممنوعٌ؛ لأن الأصل عدم الحَمْل، وجاز أن يقال: إنما يُعْدَلُ عن الأصل بشهادة تستندُ إلى الأمارات الظاهرة، أو بقولها المستند إلى الأمارات الخفية.

وقوله في الكتاب: "ولا يُتْبَعُ الهارِب" يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ لما سيأتي إن شاء الله تعالى في "الحدود".

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ بَادَرَ الوَلِيُّ فَقَتَلَ الحَامِلَ فَغُرَّةُ الجَنِينِ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِذْ لاَ يَتَيَقَّنُ حَيَاةُ الجَنِينِ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَلَو قَتَلَهَا بِتَسْلِيطِ الإمَامِ فَيُحَالُ بِالغُرَّةِ عَلَى الإِمَامِ فِي وَجْهٍ لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّسْلِيطِ أَوْ تَرْكِ البَحْثِ، وَعَلَى الوَلِيِّ فِي وَجْهٍ لِمُبَاشَرَتِهِ، وَعَلَيْهِمَا بِالشَّرِكَةِ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ رَابعٍ يُحَالُ عَلَى الإِمَامِ إنْ كَانَ عَالِماً، فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ، أَمَّا الجَلاَّدُ فلاَ عُهْدَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ جَهْلِهِ بِحَالٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قُتِلَتِ الحاملُ على خلاف ما أمرْنا به، نُظر؛ إن بادر إليه الوليُّ مستقلاً، أَثِمَ، ووجبت غُرَّة الجنين، إن انفصل ميتاً، ويكون على العاقلة على ما هو شأن الغرة؛ لأن الجنين لا يُبَاشَر بالجناية، ولا تُتَيَقَّن حياته؛ فيكون إهلاكه خطأً أو شبه عمد، وإن انفصل متألماً، ومات، وجبت الدية، وإن مكَّنَه الإِمام وأذِنَ له في قتلها، فقتلها، فقد رتب الأصحاب (١) الكلام في ثلاثة فصول:

أحدها: الإثْمُ، وهو تَبَعٌ للعلم، فإن علم الإِمام والوليُّ أنها حاملٌ، أثِمَا جميعاً، وإن علم أحدُهما دون الآخر، اختص الإثْمُ بمن عَلِمَ وإن جَهِلا، فلا إثْمَ.

والثاني: الضمان؛ فإن لم ينفصل الجنينُ، فلا ضمان، وإن انفصل ميتاً، ففيه الغُرَّة والكفارة، وإن انفصل حيّاً متألماً، ومات كذلك، فعليه دية وكفارة؛ لأن الظاهر أن تألمه وموته من موتها، وإن انفصل سليماً، ثم مات، لم يجب فيه شيءٌ؛ لأنه لا يُعْلَم أنه مات بالجناية أم لا.

والثالث: فيمن يَضْمَن، ولا يخلو إما أن يكون الإِمام والوليُّ عالمَيْنِ بالحال، أو جاهلَيْنِ أو كان الإِمام عالماً دون الوليِّ وبالعكس، وهي أربع أحوال:


(١) في ز: الإِمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>