للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما وهو المنصوص في "المختصر": أنه يجبر؛ لأن براءة الذمة غرض ظاهر، وليس للمستحق غرض في الامتناع فيمنع من التَّعَنت، وإن تقابل غرض المُمْتنع والمؤدي، فقد حكى الإمام فيه طريقين:

أحدهما: أنهما يَتَسَاقَطَان.

وأصحهما: أن المَرْعِيّ جانب المستحق، وحكى أيضاً عن بعضهم طرد القولين فيما إذا كان للمعجل غرض في التَّعْجيل، ولم يكن للمتنع غرض في الامتناع، وهو غريب. وأما صاحب الكتاب فإنه راعى جانب المؤدي أولاً فقال: "إن كان له غرض في التَّعجيل يجبر الممتنع على القبول، وإلاَّ فإنْ كان له غرض في الامتناع فلا يجبر، وإلاَّ فقولان"، ولا يخفي مخالفته لطريقة الجمهور، فإن ذكره عن ثبت فهو منفرد بما نقل، وإلا فقد الْتَبَس الأمر عليه. والله أعلم.

وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المُسَلّم فيه.

وأما السَّلَم الحال فالمطالبة فيه متوجّهة في الحال، ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه، وأبى المسلم قبوله، نظر إنْ كان للمعجل غرض سوى البراءة أجبر على القبول، وإلاَّ فطريقان:

أحدهما: أنه على القولين وجه عدم الإجبار أنه يقول: الحق لي فلي أنْ أؤخره إلى أن أشاء.

وأصحهما: أنه يجبر على القبول أو الإبراء، وحيث ثبت الإجبار فلو أصر على الامتناع أخذه الحاكم، فروي أن أنساً -رضي الله عنه- كاتب عبداً له على مال، فجاء العبد بالمال، ولم يقبله أنس فأتى العبد عمر -رضي الله عنه- فأخذ المال منه، ووضعه في بيوت المال (١).

قال الغزالي: (أَمَّا المَكَانُ) فَمَكَانُ العَقْدِ فَلَوْ ظَفِرَ بِهِ في غَيْرِهِ وَكانَ في النَّقْلِ مُؤْنَةٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ، وَلَكِنْ يُطَالَبُ (و) بِالْقِيمَة لِلْحَيْلُولَةِ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ عِوَضاً إِذْ يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مؤنةً طَالَبَ بِهِ، وَفِي مُطَالَبَةِ الغَاصب بالمِثْلِ في مَوْضِعٍ آخرَ مَعَ لُزُومِ المُؤْنَةِ خِلاَفٌ تَغْلِيظاً عَلَيْهِ.

قال الرَّافِعِيُّ: إذا عيّن في السَّلَم مكان التسليم، أو لم يعين وقلنا: يتعين وجب التسليم فيه، فلو ظفر المسلم به في غير ذلك المكان نظر: إن كان لنقله مُؤْنة لم يطالب


(١) أخرجه البيهقي ١٠/ ٣٣٤ بنحوه، وذكره الشافعي في (الأم) بلا إسناد.

<<  <  ج: ص:  >  >>