للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصب الخلاف في سماع أصل الدَّعْوَى، وقال: إنه مبْنِيٌّ على الخلاف في أن الحكم بشهادة العبدَيْن، ومن في معناهما؛ هل يقتضي غُرْماً؟.

وهذا الخلاف غير معروف، نعم، إذا كان المحكوم به قطعاً، أو قتلاً. فعن الإِصطخرِّي: أن القاضِيَ، إنما يضمن إذا استوفى بنفسه، أو أمر به من استوفاه، أما إذا استوفاه الوليُّ بإذن القاضي، فلا ضمان على القاضي، وخالفه الأكثرون، وقالوا: لا فرق؛ فإن القاضي هو الذي سلَّط الوليِّ، فيمكن أن يجيء هذا الخلاف في الأموال، والقول في أن القاضِيَ كَيْف يغرم؟ يُبْسَط في موضعه إن شاء الله تعالَى -والدعوى على نائب المعزول في القضاء كالدعوى على المعزول.

وأما أمناؤه الدين يجوز لهم الأجرةُ، فلو حُوسِبَ بعْضُهم، فبقَى عليه شيءٌ، فقال: أخذتُ هذا المال أجرة عَمَلِي، فصدقه المعزول، لم ينفعه تصديقه، لكن يُسْتَرَدُّ منْه ما يزيد على أجرة المثْل، وهل يُصدَّقُ بيمينه في أجرة المثل؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، بل عليه البينة على جريان ذِكْرِ الأجْرة.

والثاني: نعم؛ لأن الظاهر أنه لا يعمل مجاناً، قال الإِمام: والخلاف مبنيٌّ على أن من عمل لغيره، ولم يجر ذكر أجرة، هل يستحِقُّ أجرة المثل (١).

وقد تبيَّن بما ذكرنا أن قوله "ولو قال نائب المعزول" ليس المراد نائِبَهُ في القضاء، فإن القاضي لا يأخذ أجرة، وإنما المراد الأمناء.

وقوله "لم يُقْبَلْ، وإن صدَّقه المعزول إلا بحجة" ظَاهِرَهُ يقتضي قبول الحجة على الإِطلاق. ومعلوم أن الزيادة على أجرة المثل، لا تُقْبَلُ فيها الحجَّة بحال، وأما قدْرُ أجرة المثل، فيحتاج فيه إلى حجة أم يكفي اليمين؟ فيه الوجهان، هذا حكم الدعوى على المعزول.

وأما الولي فإن ادعى عليه مدَّعٍ بما لا يتعلَّق بالحكم، حكم بينهما خليفةٌ أو قاضٍ آخرُ، وإن ادَّعى ظلماً في الحكم، وأراد تغريمه لم يُمَكَّنْ، ولم يحلف القاضي، ولا تغني إلا البينة، وكذا لو ادعى على الشاهد: أَنَّه شهد بالزور، وأراد تغريمه؛ لأنهما


(١) لم يفصح الشيخ بترجيح وقضية البناء عدم الاستحقاق.
قال الأذرعي: وهذا البناء نقله ابن شداد عن بعض الأصحاب بعد قوله إن الوجهين في استحقاقه أجرة المثل كالوجهين فيما إذا ادعى راكب الدابة إعارتها والمالك إجارتها، فإن قلنا له الأجرة فللأمين أجرة مثله وإلا فلا.
وقال الماوردي والروياني أنهما مأخوذان من ذينك القولين وقضية التشبيه والأخذ بترجيح الاستحقاق بخلاف قضية البناء المذكورة والتشبيه أقرب من البناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>