للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لضاع، وأغنى لفظ (اللبث) عنه، فإذاً هُوَ محمولٌ على القدر الذي يثبت اسم العكوف والإقامة فيه.

والثاني: كونه في المسجد، وهذا سيأتي شرحه في الركن الرابع.

والثالث: الكَفّ عَنِ الجِمَاع، فلا يجوز للمعتكف الجِمَاع، ولا سائر المباشرات بالشَّهْوَة، ولقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (١). ولو جامع بَطَل اعْتِكَافه، سَواءٌ جامع في المِسْجد أو جامع حين خرج لقضاء الحاجة (٢) إذا كان ذاكراً للاعتكاف عالماً بتحريم الجِمَاع، وهذا هو المراد من لفظ الكتاب، وإن أطلق الكف عن الجماع، فأما إذا جامع ناسياً للاعتكاف، أو جاهلاً بالتحريم، فهو كنظيره في الصَّوْمِ. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- يفسد الاعتكاف بجماع النَّاسِي، ولا فرق بين جِمَاعٍ وَجِمَاعٍ، وروى المُزَنِي عن نَصِّه في بعض المواضع: أنه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلا ما يوجب الحَدّ، فقال الإمام: قضية هذا ألاَّ يفسد بإتيان البهيمة، إذا لم توجب به الحَدَّ، وكذلك بالإتيان في غَيْرِ المأتى، والمذهب الأول (٣).

ولو لمس أو قبل بشهوة أو باشر فيما دُوَنَ الفرج مُتَعَمِّداً، فهل يفسد اعتكافه؟ فيه طريقان:

أظهرهما: أن المسألة على قولين:

أحدهما: ويروى عن "الإملاء": أنها تفسده؛ لأنها مباشرة محرمة في الاعتكاف، فأشبهت الجِمَاع.

والثَّانِي: ويروي عن "الأم" أنها لا تفسده؛ لأنها مباشرة لا تبطل الحَج، فلا تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة.

والثاني: القطع بأنها لا تفسد، حكاه الشَّيْخَان أبُو مُحَمَّد، والمَسْعُودِي، والمشهور طريقة القولين، وما موضعهما؟ فيه ثلاثة طرق:

أحدها: أن القولين فيما إذا أنزل، فأما إذا لم ينزل لم يَبْطل الاعتكاف بلا خلاف كَالصَّوْمِ.

وثانيها: أن القولين فيما إِذَا لَمْ يُنْزِلَ، أما إذا أَنْزَلَ بَطَلَ اعتكافه بلا خِلاف، لخروجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة.


(١) سورة البقرة، الآية ١٨٧.
(٢) لمنافاته العبادة البدنية، واعلم أن جماعه في المسجد حرام مطلقاً إذا أدى إلى مكث فيه سواء كان معتكفاً أولاً وسواء كان اعتكافاً فرضاً أم نفلاً. ينظر الروضة (٢/ ٢٥٨).
(٣) نصه محمول على أنه لا يفسد بالوطء فيمَا دون الفرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>