وثالثها -وهو الأظهر-: طرد القولين في الحالين، والفرق على أحد القولين فيما أذا لم ينزل بين الاعتكاف والصَّوم، أن هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرمة لعينها، وفي الصَّوم ليست محرمة لعينها، بل لخوف الإنزال، ولهذا يرخص فيها لمن لا تحرك القِبْلَة شَهْوَته. وإذا اختصرت الخلاف في المسألة قُلْت فيها ثلاثة أقوال أو وجوه:
أحدها: أنها لا تُفْسِد الاعتكاف، أنزل أو لم ينزل.
والثَّاني: تفسده، أنزل أو لم ينزل، وبه قال مالك.
والثَّالث -وبه قال أبو حنيفة والمزني وأصحاب أحمد-: أن ما أنزل منها أفسد الاعتكاف، وما لا فَلاَ، والمفهوم من كلام الأصْحَاب بعد الفَحْصِ أن هذا القول أرجح، وإليه مَيْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المَرُوزِي، وإن استبعده صاَحب "المهذب" ومن تابعه.
أما القول بالفساد عند الانزال فقد أطبق الجمهور على أنه أصَح.
وأما المنع عند عدم الإِنْزَال فقد نَصَّ على ترجيحه المُحَامِلِيّ، والشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، والقاضي الرّوَيانِي، وغيرهم -رحمهم الله- وإيانا، والاستمناء باليد مرتب على ما إذا لَمَسَ فأنزل. إن قلنا: إنه لا يبطل الاعتكاف، فهذا أولى وإن قلنا يبطله، ففيه وَجْهَان، والفرق كمال الاستمتاع والالتذاذ، ثم باصطكاك البشرتين.
ولا بأس للمعتكف بأن يُقَبِّلْ على سبيل الشَّفَقَةِ والإكْرَام، ولا بأن يلمس بغير شهوة:"وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُدْنِي رَأسَهُ لِتُرَجِّلَهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَهُوَ مُعْتَكِفٌ"(١).
قال الرافعي: تَرْكُ التطيب لَيْسَ بِشَرْط في الاعتكاف، بل للمعتكف أن يتطيب كما له أن يرجل الرأس، ويتزوج، وَيُزَوِّج بخلاف المُحْرِم، وله أن يتزين يلبس الثِّيَاب إذ لم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غَيَّر ثيابه للاعْتِكَاف. وعن أحمد أنه يستحب تَرْكُ التطيب، والتزين بِرَفِيع الثِّيَاب، ويجوز له أن يأمر بإصلاح مَعَاشه، وتعهد ضياعه، وأن يبيع ويَشْتَري، ويخيط وَيكْتُب، وما أشبه ذلك، ولا يكره شيء من هذه الأعمال إذا لم تكثر سِيَّمَا إذا وقع في مَحَلِّ الحاجة، وإن أكثر أو قعد يحترف بالخياطة ونحوها كُرِه، ولكن لا يبطل