للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتكافه. وعن مالك أنه إذا قعد فيه واشتغل بحرفته يبطل اعتكافه، ونقل عن القديم قول مثله في الاعتكاف المنذور ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف، والمذهب مَا سَبَق؛ لأن ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطله كثيره، كَسَائِرِ الأَفْعَال (١)، ولو كان يشتغل بقراءة القرآن ودراسة العلم فهو زيادة خَيْرٍ.

وعن أحمد أنه لا يستحب له إلا ذكر الله -تعالى- والصَّلاة، ويجوز له أن يأكل في المَسْجِد، والأولى أن يبسط سفرة ونحوها، لأنه أبلغ في تنظيف المسجد، وله أن يَغْسِل اليد، والأولى غَسْلُهَا في طِسْتٍ. ونحوها، حتى لا يبتل المسجد فيمنع غيره من الصلاة والجلوس فيه، ولأنه قد يستقذر، فَيُصَان المسجد عنه، ولذا قال في "التهذيب": ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز نضحه بالماء المُسْتَعْمَل (٢)، وإن كَانَ طاهِراً، لأن النفس قد تعافه، ويجوز الفَصْدُ والحِجَامة (٣) فِي المَسْجِد بشرط أن يأمن التلويث، والأولى الاحتراز عنه، وفي البول في الطِّست احتملان، ذكرهما ابن الصَّبَّاغ، والأظهر: المنع، وهو الذي أورده صاحب "التتمة"؛ لأنه قبيح، واللائق بتعظيم المسجد تنزيهه عنه، بخلاف الفَصْدِ وَالْحِجَامة؛ ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة، واستدبارها عند الفَصْدِ، ويمنع عِنْدَ قضاء الحَاجَةِ، وليس من شرط الاعتكاف الصّوم بل يصح الاعتكاف في اللَّيل وحده، وفي العيد، وأيام التشريق خلافاً لأبي


(١) قال النووي: الأظهر، كراهة البيع والشراء في المسجد وإن قل، للمعتكف وغيره إلا بحاجة. وهو نصه في "البويطي" وفيه حديث صحيح في النهي، -والله أعلم-. ينظر الروضة (٢/ ٢٥٩).
(٢) قال النووي: هذا الذي قاله البغوي ضعيف والمختار أن المستعمل كالمطلق في هذا لأن النفس إنما تعاف شربه ونحوه وقد اتفق الأصحاب على جواز الوضوء في المسجد وإساقط ما به في أرضه مع أنه مستعمل ممن صرح به الشامل والتتمة في هذا الباب ونقل ابن الصباغ إجماع العلماء على ذلك ولأنه إذا جاز غسل اليد في المسجد من غير طست كما صرح به الأصحاب فرشه بالمستعمل أولى لأنه أنظف من غسالة اليد. قال في الخادم: وللبغوي أن يفرق بوجهين:
أحدهما: أن المتوضئ يفعل ذلك لحاجة إلى الوضوء بخلاف النضح بالمستعمل فإنه لا حاجة إليه.
والثاني: أن تلويث المسجد يحصل ضمناً للوضوء بخلاف النضح فإنه قد يكون قصداً والشيء يغتفر ضمناً ما لا يغتفر مقصوداً ولا يجوز قصد المسجد بالأشياء المستقذرة وقد حكى الدارمي عن المزني أنه لا يجوز شرب الماء المستعمل على أن في إطلاقه الوضوء في المسجد شيئاً وهو ماء المضمضة والاستنشاق فإنه لا بد أن يمتزج بالبصاق وهو حرام على المختار فأما أن يبتلعه في هذه الصورة صوناً للمسجد أو يقال أنه مستهلك فيغتفر. ينظر الروضة.
(٣) قال في الخادم: خرج بالفصد والحجامة غيرهما من الدماء كالذبح في القصاص فإنه لا يجوز في المسجد كما ذكره الرافعي في الجنايات وقيل يجوز إذا بسطت الانطاع وأمن التلويث ثم هذا كله بالنسبة للآدمي فأما ذبح الدابة في المسجد فممنوع وإن جاز فعند الآدمي لأنه لا يؤمن نفق الدابة وتلويثها.

<<  <  ج: ص:  >  >>