حنيفة، ومالك -رحمهما الله- حيث قالا: الصوم شرط فيه، ولا يَصِحّ في العِيد، وأيام التَّشْرِيق، ولا في الليالي المُجَرَّدَة، وعن أحمد رِوَايَتَانِ:
أصحهما: مثل مذهبنا. لنا ما روي أن عمر -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ"(١). ولو لم يصح الاعتكاف في الليلة المفردة، لما أمره بالوفاء بنَذْرِهِ، ويجوز أن يعلم قوله:(بل يصح الاعتكاف من غير صوم) مع علامات هؤلاء بالواو؛ لأن الشيخ أَبَا محمد وغيره نقلوا عن القديم قولاً مثل مذهبهم.
إذا عرفت ذلك فلو نذر أن يَعْتَكف يوماً هو فيه صَائِم، أو أياماً هو فيها صَائِم لزمه الاعتكاف في أيام الصوم؛ لأن الاعتكاف بالصَّوْمِ أفضل، وإن لم يكن مشروطاً به، فإذا التزمه بالنذر لزمه، كما لو التزم التتابع فيه، وليس له في هذه الصورة إفراد أحدهما عن الآخر بِلاَ خِلاَف، وليست هذه مسألة الكتاب.
ولو اعتكف في رمضان أجزأه؛ لأنه لم يلتزم بهذا النَّذْرِ صوماً، وإنما نذر الاعتكاف على صِفَة، وقد وجدت، ولو نذر أن يَعْتَكِف صائماً، أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم جميعاً بِهَذَا النذر، وهل يلزمه الجَمْعُ بينهما؟ فيه وجهان:
أحدهما -وبه قال أَبُو عَلِيٍّ الطبَرِيّ-: لا، لأنهما عبادتان مختلفتان، فأشبه مَا إِذَا نذر أن يُصَلّيَ صَائِماً.
وأصحهما -ويحكى عن نَصِّه في "الأم" نعم؛ لما ذكرنا في المسألة السابقة، فلو شرع في الاعتكاف صَائِماً، ثم أفطر لزمه استئناف الصَّوْمِ والاعتكاف على الوجه الثاني، ويكفيه استئناف الصوم على الوجه الأول، ولو نذر اعتكاف أَيامٍ وليالٍ متتابعة صَائماً وجامع ليلًا ففيه هذان الوجهان ولو اعتكف عن نذرة في رمضان أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول، وعليه الصَّوْم، وعلى الثاني لا يُجْزئه عن الاعتكاف أيضاً، ولو نذر أن يَصُوم معتكفاً ففيه طريقان:
أظهرهما: طرد الوجهين.
والثاني: وبه قال الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّد: القطع بأنه لا يَجِب الجمع، والفرق أن الاعتكاف لا يصلح وَصْفًا لِلصَّوْم، والصَّوْم يَصْلُحُ وَصْفاً للاعتكاف، فإنه من مَنْدُوباته، ولو نذر أن يَعْتَكِفَ مُصَلِّياً، أو يُصَلِّي معتكفَاً لزمه الصَّلاة والاعتكاف، وفي لزوم الجَمْعِ طريقان: