للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُشْتَري إلى المُدَّعِي، فتكون المُبَايَعَةُ صَحِيحَةً مُصَادِفَةً مَحَلَّهَا، لكن المَشْهُورَ في المَذْهَبِ ثُبُوتُ الرُّجُوع إذا انتزع المال منه بالحُجَّةِ المطلقة، بل لو باع المُشْتَرِي، أو وهب، وانْتُزعَ من المُتَّهب، أو من المشتري منه، كان لِلْمُشتَرِي الأَوَّلِ الرُّجُوعُ أيضاً. وسَبَبُهُ مَسِيسُ الحَاجَةِ إلَيه في عُهْدَةِ العقود، وأيضاً فإن الأَصْلَ أن لا مُعَامَلَةَ بين المشتري والمدعى، ولا انتقال منه فَيَسْتَنِدُ المِلْكُ المَشْهُودُ به إلى ما قبل الشِّرَاءِ.

وعن القاضي الحُسَيْنِ إِبْدَاءُ وَجْهٍ: أنَّه لا رُجُوعَ إلا إذا كان المُدَّعَى مِلْكاً سَابِقاً، وَفَاءً بِالأَصْلِ المذكور، وَحُمِلَ ما أطلقه الأصحاب عليه. وذكر القاضي أبو سَعْدٍ الهرَوِيُّ: أن الفَقِيهَ أبا نَصْرٍ البَلْخِيَّ من أصحاب الرَّأْي، حَكَى عن أصحابنا: أن قِيَامَ البَيِّنَةِ تَقْتَضِي سَبْقَ المِلْكِ حتى يكون النِّتَاجُ لِلْمُدَّعِي.

ولما كان الجَمْعُ بين إِبْقَاءِ النِّتَاج في ملكه، وبين تَمَكُّنِهِ من الرُّجُوع باليمين (١) بعيداً تأباه الطِّبَاعُ، دفع تَارَةً بأن قيل: لاَ رُجُوعَ. وأخرى بأن قِيلَ: لا يَبْقَى النِّتَاجُ له.

ولْيُعَلمْ لهذا الوجه قوله في الكتاب: "فَنتَاجُهَا قبل الإِقَامَةِ للمدعى عليه" بالواو.

وكذلك قوله: "والثَّمَرَةُ البَادِيَةُ على الشجرة أيضاً" بذلك. وقوله: "وتُحْمَلُ مطلقة إذا لم يَدَّعِ على المشتري قبل إِزَالَة مِلْكِهِ عنه، على أن المِلْكَ سَابقٌ"، أَشَارَ به إلى أن ظَاهِرَ المَذْهَبِ ثُبُوتُ الرُّجُوعِ، سواء قَيَّدَ المِلْكَ المُدَّعَى بما قبل الشراء، أو أَطْلَقَ الدَّعْوَى.

وإنما يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ إذا ادَّعَى على المُشْتَرِي أنَّه نَقَلَ المِلكَ إليه، وأقام البَيِّنَةَ كذلك. وعلى الوجه الآخر إنما يَثْبُتُ الرُّجُوعُ إذا ادَّعَى مِلْكاً سَابِقاً على الشِّرَاءِ، وأقام البَيِّنَةَ عليه.

وقوله: "وعَجِيبٌ أن يُتْرَكَ في يَدِهِ نِتَاجٌ حَصَلَ قبل البَيِّنَةِ، وبعد الشراء، ثم هو يَرْجِعُ على البائع". أراد الاسْتِبْعَادَ الذي بَيَّنَّاهُ. وقد حُكِيَ عن القاضي الحسين: أنَّه أَكْثَرَ البَحْثَ عنه، وأنه قال: لم أَجِدْ عند أَحَدٍ من الجواب ما يَسْتَحِقُّ أن يُحْكَى؛ إلا أني سَأَلْتُ عنه فَقِيهاً من أَصْحَاب أبي حَنِيْفَةَ، إنما يثبت الرُّجُوع؛ لأن البَائِعَ بالبَيْع كأنه ضَمِنَ سَلاَمَةَ المَبِيع للمشتري، وإذا لم يسلم وأُخِذَ منه، كان له أن يَرْجِعَ بحكم الضَّمَانِ الذي تَضَمَّنَهُ البيع.

وقوله: "فلا يَبْعَدُ أن يقال: لا يُرْجَعُ إلا إذا ادَّعَى مِلْكاً سابقاً على شرائه". ذَكَرَ هذا الكَلاَمَ ذِكْرَ من هو مُبْتَدِئٌ بالشيء، لكنه قد حَكَاهُ في "الوسيط" عن القاضي الحُسَيْنِ. وكذلك الإِمَامُ وغيرهما -رحمهما الله-.


(١) في ز: بالثمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>