للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا اتفاق الناس على إشراع الأجنحة في جميع الأَعْصَارِ، من غَيْرِ إنكار، وأيضًا "فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزابًا في دارِ العَبَّاسِ -رَضِيَ الله عَنْهُ-" (١) فَنِقِيسُ الجناح عليه، ونرجع في الضَّرَرِ وعدمه إلى حَالِ الطَّرِيق، فإن كان ضيقًا لا يمر فيه الفرسان والقَوَافل، فينبغي أن يكون مرتفعًا، بحيث يمر المار تحته منتصبًا، وإن كانوا يمرون فيه فلينته الارتفاع إلى حدّ يَمُرُّ تحت الرَّاكِبُ منتصبًا، بل المحمل مع الكنيسة على رأسه على البَعِير؛ لأنه وإن كان نادرًا فقد يتفق ولا تشترط الزيادة عليه على الصَّحِيح، وقال أبو عُبَيْدِ بنُ حَرْبَوَيْهِ: يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب مَنْصُوب الرمح، وضعفه النَّقَلَةُ بِالاتفاق، وقالوا: وضع أطراف الرماح على الأكتاف ليس بِعَسِيرٍ.

ويجوز لِكُلِّ أحد أن يفتح إلى الشَّارع من ملكه الأبواب كَيْفَ شَاء.

وأما نصب الدِّكة (٢) وغرس الشَّجرَة، فإن تضيق الطريق به وَضَرَّ بالمارة فهو ممنوع منه، وإلا فوجهان:

أحدهما: الجواز كالجناح الذي لا يَضُر بهم.

والثاني: المنع؛ لأن المكان المشغول بالبناء والشجر، لا يتأتى فيه الطروق، وقد تزدحم المارة ويعسر عليهم المراقبة فيصطكون بها، وأيضًا فإنه إذا طَالَت المدة، أشبه مكان البِنَاءِ والغِراسِ الأملاك، وانقطع أثر استحقاق الطروق فيه، بخلاف الأَجْنِحَةِ، ويحكى الوجه الأول عن اختيار القاضِي وهو أظهر عند المُصَنِّف، ولم يورد في "التهذيب" سواه، لكن أصحابنا العراقيون والشَّيخَ أَبَا مُحَمَّدٍ بالثَّانِي، وإليه مَالَ الإمام وهو أقوى في المَعْنَى.

ولا يجوز أن يُصَالِح عَنْ إشْرَاعِ الجَنَاحِ على شَيْءٍ، أما إذا صالحه الإمام فلأن الهَوَاء لا يفرد بالعَقْدِ، وإنما يتبع القرار كالحمل مع الأُم، وأيضًا فلأنه إن كان مضرًا فما يمنع الضرر لا يجوز بالعوض كالبناء الرفيع في الطَّرِيق، وإن لم يكن مضرًا فهو جائز، وما يستحقه الإنسان في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوضٌ كالمرور، وأما إذا صالَحَهُ وَاحِدٌ من الرعية فللمعنى الأوّل، وأيضًا فلأنه ليس بالمستحق، ولا هو نَائِب المستحقين، ولو أشرع جناحًا لا ضرر فيه ثم انهدم أو هدمه فأشرع آخر في محاذاته لا يمكن معه إعادة الأول جَازَ، كما لو قعد في طَريقٍ وَاسِعٍ ثم انتقل عنه يجوز لِغَيْرهِ الارتفاق به، هكذا قَالُوه.


(١) أخرجه أحمد من رواية ابن عباس والحكم والبيهقيُّ من رواية عمر وذكر له شاهدًا.
(٢) الدكة بفتح الدال لا غير. قاله في الدقائق وهي المسطبة. قال الجوهري: والدكة والدكات ما يقعد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>