للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولك أن تقول: المرتفق بالقعود لمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزَّوَالِ عن ذَلِكَ المَوْضِع، وإنما يبطل بالسَّفَر والإعراض عن الحِرْفَة، كما سيأتي في إحْيَاءِ المَوَاتِ، فقياسه أن لا يبطل حقه بمجرد الانهدام والهدم، بل يعتبر إعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن إعادته (١).

أما لفظ الكتاب فقوله: (فالشوارع على الإباحة كالموات)، معناه أنها منفكة عن المِلْك، والاختصاص كالمَوَاتِ، والأصْلُ فيها الإِبَاحة وجواز الانتفاع إلا فيما يقدح في مقصودها وهو الطّروق، ويستوى في الحُكْمِ الجواد الممتدة في الصَّحَارِي وَالبِلاَد، قال الإمام: وصيرورة الموضع شارعًا له طريقان:

أحدهما: أن يجعل الإنسان ملكه شارعًا وسبيلًا مسبلًا.

والثَّاني: أن يحيى جماعة خطة قرية أو بلدة ويتركوا مسلكًا نافذًا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب، ثم حكى عن شيخه ما يقتضي طريقًا ثالثًا، وهو أن يصير موضع من الموات جادة ميتًا يطرقها الرّفاق فلا يجوز تغييره، وإنه كان يتردد في بيان الطَّريق التي يعرفها الخواص وَيَسْلُكونها، وَكُلُّ مَواتٍ يجوز استطراقه، ولكن لا يمنع من إحيائه وصرف الممر عنه فليس له حكم الشَّوارع (٢). وقوله: (بما لا يضر


(١) قال النووي: إن ما قاسه كثيرون على ما إذا وقف في الطريق، ثم فارق موقفه، أو قعد للاستراحة ونحوها، فلا يرد اعتراض الامام الرافعي رحمه الله. قال أصحابنا: ولو أخرج جناحًا تحت جناح من يحاذيه، لم يكن للأول منعه، إذ لا ضرر. ولو أخرج فوق جناح الأول، قال ابن الصباغ: إن كان الثاني عاليًا لا يضر بالمار فوق الجناح الأول، لم يمنع، وإلا، فله منعه. ولو أخرج مقابلًا له، لم يمنع، إلا أن يعطل انتفاع الأول. ولو كان الأول قد أخذ أكثر هواء الطريق، لم يكن لجاره مطالبته بتقصير جناحه ورده إلى نصف الطريق؛ لأنه مباح سبق إليه. ينظر الروضة ٣/ ٤٤٠.
(٢) قال النووي: قال الإمام: ولا حاجة إلى لفظ في مصير ما يجعل شارعًا. قال: وإذا وجدنا جادة مستطرقة، ومسلكا مشروعًا نافذًا، حكمنا باستحقاق الإستطراق فيه بظاهر الحال، ولم نلتفت إلى مبدأ مصيره شارعًا. وأما قدر الطريق، فقل من تعرض لضبطه، وهو مهم جدًا، وحكمه، إنه إن كان الطريق من أرض مملوكة يسبلها صاحبها، فهو إلى خيرته، والأفضل توسيعها. وإن كان بين أراض يريد أصحابها إحياءها، فإن اتفقوا على شيء، فذاك. وإن اختلفوا، فقدره سبع أذرع، وهذا معنى ما ثبت في "صحيحي" البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الاختلاف في الطريق، أن يجعل عرضه سبع أذرع". ولو كان الطريق واسعًا، لم يجز لأحد أن يستولي على شيء منه، وإن قل، يجوز عمارة ما حوله من الموات، ويملكه بالإحياء بحيث لا يضر بالمارة. ومن المهمات المستفادة، أن أهل الذمة يمنعون من إخراج الأجنحة إلى شوارع المسلمين النافذة. وإن جاز لهم استطراقها؛ لأنه كإعلائهم البناء علي بناء المسلمين، أو أبلغ. هذا هو الصحيح، وذكر الشاشي في جوازه وجهين ومن أخرج جناحًا على وجه لا يجوز هدم عليه. ينظر الروضة ٣/ ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>