بالمَارة)، لك فيه مباحثة وهي أن هذه اللفظة، ولفظ عامة الأصحاب تَقْتَضِي المَنْعَ من كل ما يضر بالمُرورِ، ثم الأكثرون في الفرق بين المُضِر وغير المضر لم يتعرضوا إِلاّ للانخفاض والارتفاع، ومعلوم أن جهة الإضْرَار لا تنحصر في الارتفاع والانخفاض، بل منع الضياء وإظلام الموضع يضر بالمرور أيضًا، فهل هو مؤثر أَمْ لاَ؟ والجواب أن طائفة من الأئمة منهم ابْنُ الصَّبَّاغ، ذكروا أنه غير مؤثر، لكن قضية المَعْنَى، وظاهر لفظ الشَّافِعِي -رضي الله عنه- وأكثر الأصْحَاب تأثيره، وقد نَصَّ عليه مَنصُور التَّمِيميُّ في المستعمل، حيث قال: ووجه إضراره -يعني الجناح- شدة تطامنه أو منعه الضّياء، وفي "التتمة": أنه إن انقطع الضوء بالكلية أُثر، وإن انتقص فلا مبالاة به.
وقوله:(ولا يمنع الحمل مع الكنيسة) في بعض النسخ الجمل مع الكنيسة، وهو صحيح أيضًا، أي: مع الكنيسة فوق المحمل المحمول على الجمل.
قال الرَّافِعِيُّ: القسم الثَّاني غير النافذ كالسكة المنسدة الأَسْفل، ونتكلم فيها في ثلاثة أمور:
أولها: إشراع الجَناحِ، ولا خلاف في أن إِشْرَاع الجناح إليها. غير جائز لغير أهل السِّكَّة، وفيهم وجهان، قال الشَّيْخُ أَبُو حامِدٍ ومن تابعه: لكل منهم الإشراع إذا لَمْ يضر بالبّاقِين؛ لأنّ كُلاًّ منهم له الارتفاق بِقَرَارِهَا، فليكن له الارتفاق بهوائها كالشَّارعِ، وعلى هذا فلو كان مُضِرًا ورضي أهل السكة جاز؛ لأن الحَقَّ لهم بخلاف مثله في الشَّارع، فإن رضي جميع المسلمين متعذر التَّحْصيل، وذكر الأكثرون منهم القاضي أَبُو حَامِدٍ وَأبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: أنه لا يجوز إلا برضاهم تضرروا أَمْ لاَ؛ لأنّ السكة مخصوصة بهم، فلا يتصرف دون رِضَاهم، وهذا كما أنه لا يجوز إشْرَاع الجَنَاح إلى دَارِ الغَيْرِ بغير رِضَاه وإن لم يتضرر، ويحكى هذا عن أَبِي حنيفة، وعلى الوجهين لا يجوز لهم أن يُصالِحُوه عَلَى شَيْءٍ، لما مر أن الهَواءَ تَابِعٌ، فلا يفرد بالمَالِ صُلْحًا كما لا يفرد به بيعًا، وكذا الحكم في صُلْح مِلْكِ صاحِبِ الدَّارِ عن الجناح المشروع إليها، ونعني بأهل السَّكّةِ كل من له باب نافِذٌ إِلَيْهَا، دون من يُلاَصِق جداره السِّكَّة من غير نُفُوذِ بَابٍ، وهل الاستحقاق في