جميعها لجميعهم، أو شركة كل واحد مختص بما بين رأس السكة وباب دَارِه، ولا يتخطى عَنْه؟ فيه وجهان:
أظهرهما: وهو الذي أورده القاضِي ابْنُ كَجٍّ؛ اختصاص كل واحد مِنْهُمَا بِما بَيْنِ رَأْسِ السِّكَةِ وَباب دَارِه؛ لأن ذَلِكَ القدر هو محل تردده ومروره، وما عداه فحكمه فيه حكم غير أهل السّكة.
ووجه الثاني: أنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق بجميع الصَّحْنِ، لطرح الأثقال عند الإخراج والإدْخَال، وهذا الخِلاَف يظهر تأثيره على الصَّحِيح في مَنْع إشْرَاعِ الجَنَاح إِلاَّ بِرِضَاهُمْ، فَعَلى القَوْلِ باشتراك الكُلِّ في الكُلِّ، يجوز لِكُلِّ واحد من أهل السِّكَّة المنع، وعلى الوَجْهِ الآخر إنما يجوز المَنْع لمن يوضع الجناح بين بابه ورأس السكة دون من بابه بين موضع الجَنَاحِ ورأس السِّكَّة، ويظهر تأثيره على قول الشَّيْخ أَبِي حامِدٍ أيضًا، في أن الذي يستحق المنع إذا كان الجناح مضرًا مَنْ هُوَ، لكنهم لم يذكروه (١).
ولو اجتمع المستحقون فَسَدُّوا بابَ السِّكَّة فجواب المعظم لا منع؛ لأنهم يَتَصَرَّفُونَ في مِلْكِهِمْ، وقال أَبُو الحَسَنِ العبادي: يحتمل أن يقال: يمنعون؛ لأن أهل الشَّارعِ يفزعون إليها إذَا عرضت زَحْمَة، وَلا شَكَّ في أنه لو امتنع بَعْضُهُمْ لم يكن لِلْبَاقِينَ السّد، ولو سَدُّوا متوافقين لم يستقل بعضُهم بالفَتْحِ.
ولو اتفقوا على قِسْمَةِ صَحْنِ السِّكَّة بينهم جاز، ولو أراد أَهْلُ رأس السِّكَّةِ قسم رأس السكة بينهم مِنِعُوا لِحَقِّ من يليهم، ولو أراد أهلُ الأَسْفَل قِسْمَةَ الأَسْفَلِ فَوَجْهَانِ، بناء على أن أهل الرأس هل يشاركونهم في الأَسْفَل؟ ثم ما ذكرنا من سَدِّ البَابِ وَقِسْمَة الصَّحْنِ مفروض فيما إذا لم يكن في السِّكَّة مَسْجِد، فإن كان فيها مسجد قَدِيمٌ أو حديث، فالمسلمون كُلّهم يستحقون الطّروق إِلَيْهِ فلا يمنعون منه، اسْتَدْرَكَهُ القَاضِي ابْنُ كِجٍّ، وعلى قياسه لا يجوز الإشراع عند الضَّرَر، وإن رضي أهل السكة لحق سائر النَّاسِ.
وثانيها: فتح الباب وليس لِمَنْ لاَ بَابَ لَهُ في السِّكَّة إحداث باب إلا برضاء أهْلِ السِّكَّة كلهم لتضررهم أو بمرورهم على الفاتح عليهم فلو قال: افتح إليها بابًا للاستضاءة دون الاستطراق، أو قال: افتحه وأسمره فوجهان:
أصحهما: عند أَبِي القاسِمِ الكَرَخِي: أنه يمكن منه؛ لأنه لو رفع جميع الجدار
(١) قال النووي: قول الرافعي: لم يذكروه، من أعجب العجب، فقد ذكره صاحب "التهذيب" مع أن معظم نقل الرافعي منه ومن "النهاية". ينظر الروضة ٣/ ٤٤٢.