قال الرافعي: الصفات المعتبرة في المؤذن تنقسم إلى مستحقة ومستحبة، فبدأ بالمستحقة وهي الإسلام، والعقل، والذكررة. أما الإسلام فلا يصح أذان الكافر؛ لأنه ليس من أهل العبادة، ولأنه لا يعتقد مضمون الكلمات، ولا الصلاة التي هي دعاء إليها فإتيانه به ضرب من الاستهزاء، ثم الكفار ضربان:
أحدهما: الدين يستمر كفرهم مع الإتيان بالأذان وهم العيسوية فرقة من اليهود، ويقولون: محمد رسول الله إلى العرب خاصة، فلا ينافي لفظ الأذان مقالتهم.
والثاني: سائر الكفار، وفي الحكم بإسلامهم بكلمتي الشهادة في الأذان وجهان نقلهما صاحب "البيان":
أحدهما: لا تحكم؛ لأنه يأتي به على سبيل الحكاية.
وأصحهما: وهو المشهور في الكتب: أنه يحكم بالإسلام، كما لو تكلم بالشهادتين باستدعاء غيره، فعلى هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الإتيان بالأذان، ولكنه لا يعتد بأذانهم؛ لوقوع أوله في الكفر.
وأما العقل: فهو شرط، فلا يصح أذان المجنون، لأنه ليس أهلاً للعبادة، وفي أذان السكران وجهان مبنيان على الخلاف في تصرفاته واعتبار قصده.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب: أنه يلحق بالمجنون تغليظاً للأمر عليه، وإنما شرط كونه مخبطاً إشارة إلى أن الذي هو في أول النشو ومبادئ النشاط يصح أذانه كسائر تصرفاته لانتظام قوله وفعله.
وأما الذكورة فلا يصح من المرأة أن تُؤَذِّنَ للرجال كما لا يجوز أن تؤمهم، وكذلك لا يعتد بأذان الخنثى المشكل، للرجال، وأما أذان المرأة لنفسها ولجماعة النساء فقد سبق حكمه.
وقوله:"ولا يصح أذان كافر وامرأة" المراد منه ما إذا أذنت للرجال، وإن كان الكلام مطلقاً، ويصح الأذان من الصبي المميز، لوجود الشرائط الثلاث وصار كإمامته للبالغين وليكن قوله:"ذكراً" وقوله: "وامرأة" مرقوماً بالحاء؛ لأن المحكي عن أبي حنيفة أنه يعتد بأذانها للرجال، وبالواو لأن صاحب التتمة روي وجهان مثل ذلك وليكن قوله:"ويصح أذان الصبي المميز" معلماً بالواو أيضاً لأن صاحب التتمة روى أنه لا يعتد بأذانه. ومأخذ الوجهين الغريبين تنزيل الأذان منزلة الإخبار، لأنه بناء عن دخول الوقت وخبر المرأة مقبول، وخبر الصبي غير مقبول.
قال الغزالي: وَتُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ في الأَذَانِ، وَيَصِحُّ بِدُونِهَا، وَالكَرَاهِيَةُ فِي الجُنُبِ أَشَدُّ، وَفي الإِقَامَةِ أَشَدُّ.