للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: يستحب الطهارة في الأذان ولا تجب خلافاً لأحمد وبعض أصحابه. لنا: ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حَقٌّ وَسَنَّةٌ أَنْ لاَ يُؤَذِّنَ الرَّجَلُ إِلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ" (١). وهذا يقتضي الاستحباب وينفي الوجوب، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يُؤَذِّنُ إِلاَّ مُتَوَضِئٌ" (٢).

وأيضاً: فإنه يدعو إلى الصلاة فينبغي أن يكون هو بصفة تمكنه أن يصلي، إلا فهو واعظ غير متعظ، فلو أذن، أو أقام جنباً، أو محدثاً فقد فعل مكروهاً، ولكن يحسب أذانه؛ لحصول مقصوده وكونه أهلاً، وأذان الجنب أشد كراهةً من أذان المحدث؛ لأن الجنابة أغلظ، وما يحتاج إليه الجنب لتمكنه الصلاة فوق ما يحتاج إليه المحدث، والإقامة مع أي واحد من المحدثين اتفقت أشد كراهة من الأذان مع ذلك الحدث؛ لأن الإقامة يتعقبها الصلاة، وتكون بعد حضور القوم فإن انتظروه ليتطهر ويعود شق عليهم، إلا ساءت الظنون فيه واتهم بالكسل في الصلاة.

قال الغزالي: وَلْيَكُنِ المُؤَذِّنُ صَيِّتاً حَسَنَ الصَّوْتِ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِسَامِعِيهِ، وَلْيَكُنْ عَدْلاً ثِقَةً لِتَقَلُّدِهِ عُهْدَةَ المَوَاقِيتِ.

قال الرافعي: مما يستحب في المؤذن أن يكون صيّتاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-، في قصة عبد الله بن زيد: "أَلْقِهِ عَلَى بِلاَلٍ، فَإنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا" (٣).

والمعنى فيه: زيادة الإبلاغ والإسماع؛ ولهذا يستحب أن يضع أصبعيه في صماخي أذنيه لتنسد خروق الأذنين فيكون أجمع للصوت، وأن يؤذن على موضع عالٍ من منارة وسطح ونحوهما، ومما يستحب فيه أن يكون حسن الصوت "لأَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ" (٤) ولأن الدعاء إلى العبادة جذب للنفوس إلى خلاف ما تقتضيه طباعها، فإذا كان الداعي حلو المقال رقت قلوب السامعين فيكون ميلهم إلى الإجابة أكثر، ومما يستحب فيه أن يكون عدلاً لمعنيين:

أحدهما: أن السنة أن يؤذن على موضعٍ عالٍ، وحينئذ يشرف على العورات، فإذا كان عدلاً غض البصر وأُمِنَ منه.

والثاني: أنه يتقلد عهدة المواقيت، فإذا كان فاسقاً لم يؤمن أن يؤذن قبل الوقت، وهذا المعنى الثاني هو الذي ذكره في الكتاب، فإن قلت: قد قَدَّمْتُم فيما سبق خلافاً في


(١) أخرجه البيهقي في السنن (١/ ٣٩٧) من قول وائل بإسناد منقطع.
(٢) أخرجه الترمذي (٢٠٠ - ٢٠١) من رواية أبي هريرة مرفوعاً ومرسلا، وقال المرسل أصح، والبيهقي في السنن (١/ ٣٩٧).
(٣) وهو حديث عبد الله بن زيد المتقدم تخريجه.
(٤) أخرجه الدارمي (١١٩٩)، وابن خزيمة (٣٧٧) وصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>