أنه هل يجوز الاعتماد على أذان المؤذن أم لا؟ فإن جاز فربما يؤذن قبل الوقت فيفطر الصائم ويصلي المبادر، فيلزم المحذور، أما إذا لم يجز فكل يعمل بعمله واجتهاده فلا يستمر هذا المعنى، قلنا الأذان قبل الوقت غير محسوب ولا يؤمن أن نقدمه على الوقت فيكون القوم مصلين بغير أذان، وكل أحد وإن اجتهد للصلاة فلا يجتهد للآذان فظهر المحذور على التقدير الثاني أيضاً.
وأما قوله:"عدلاً ثقة" فلعلك تقول: لم جمع بين اللفظين؟ فاعلم أنهما جميعاً موجودان في كلام الشافعي -رضي الله عنه-، واختلف الأصحاب منهم من قال: إنه تأكيد في الكلام، ومنهم من قال: أراد عدلاً في دينه ثقةً في العلم بالمواقيت، ومنهم من قال: أراد عدلاً إن كان حراً، ثقة إن كان عبدًا؛ لأن العبد لا يوصف بالعدالة لكن يوصف بالثقة والأمانة.
قال الغزالي: والإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنَ التَّأْذِينِ عَلَى الأَصَحِّ لِمُوَاظَبَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهَا.
قال الرافعي: كل واحد من الأذان والإمامة عمل فيه فضيلة، ثم لا يخلو إما أن تكون الإمامة أفضل من الأذان أو بالعكس أو لا يكون واحد منهما أفضل من الآخر، ورابع هذه الأقسام محال.
فأما القسم الثالث: وهو التسوية بينهما فهو وجه غريب لبعض الأصحاب حكاه صاحب "البيان" وغيره، وأما القسمان الأولان ففيهما وجهان مشهوران:
أحدهما: أن الإمامة أفضل؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- واظب عليها دون الأذان، وكذا الخلفاء بعده.
والثاني: أن الأذان أفضل لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاء وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأرْشِدِ اللَّهُمَّ الأَئِمَّةَ واغْفِرْ لِلْمُؤذِّنِينَ"(١)، والأمين أحسن حالاً من الضمين، والدعاء بالمغفرة خيرٌ من الدعاء بالإرشاد، واعتذر الصائرون إلى هذا الوجه عن ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأذان بوجوه:
أحدها: أنه إذا قال: حي على الصلاة لزم أن يتحتم حضور الجماعة؛ لأنه أمر ودعاء وإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبة، فتركه شفقة على أمته.
والثاني: إنه لو أذن لكان إما أن يقول أشهد أن محمَّدًا رسول الله وليس ذلك يجزل والقائل محمد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإما أن يقول أشهد أني رسول الله وهو تغيير لنظم الآذان.
(١) أخرجه الشافعي (١٥٧) وأبو داود (٥١٧) والترمذي (٢٠٧) وأحمد في المسند (٢/ ٤١٩) قال ابن الملقن: قال أحمد ليس له أصل، وقال ابن المديني طرقه معلولة، وصححه ابن حبان والعقيلي، انظر الخلاصة (١/ ١٠٤ - ١٠٥).