للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أنه ما كان يفرغ للمحافظة على الآذان لاشتغاله بسائر مهمات الدِّين، وغيره والصلاة لا بد من إقامتها بكل حال فأثر الإمامة فيها، وإلى هذا الوجه أشار عمر رضي الله عنه بقوله: "لَوْلاَ الخِلَّيْفَى لَأذَّنْتُ" (١) ولمن نصر الوجه الأول أن يقول: لا أسلم أنه لو أذن لتحتم الحضور وإنما يلغ ذلك أن لو كان الأمر والدعاء في هذا الموضع للإيجاب، ومعلوم أن الأوامر منقسمة إلى ما يكون للإيجاب، وإلى ما يكون للاستحباب (٢).

وأما الثاني فلم قلتم: أنه لو قال أشهد أن محمداً رسول الله لاختلت الجزالة ألا ترى أن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} (٣) ونظائر ذلك (٤) لا تحصى، ثم ما قولكم في كلمة الشهادة في التشهد أكان يقول أشهد أن محمدًا رسول الله أو يقول أشهد أني رسول الله، فإن كان الأول فلا اختلال، وإن كان الثاني هو المنقول فلم احتمل تغيير النظم فيه، ولا يحتمل هاهنا.

وأما الثالث فلا نسلم أن الاشتغال بسائر المهمات يمنع من الأذان مع حضور الجماعة وإقامة الصلوات في أول الوقت بتقدير التسليم فلا شك أنه كان له أوقات فراغ فينبغي أن يؤذن في تلك الأوقات.

وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي اختاره كثيرون من أصحابنا منهم الشيخ أبو حامد وأتباعه أن الأذان أفضل وَغلَّطُوا من صار إلى تفضيل الإمامة وبالغوا فيه وتابعهم صاحب "التهذيب" وعكس المصنف ذلك فجعل تفضيل الإمامة أصح، والذي فعله أولى وإليه ذهب صاحب "التقريب" والقفال، والشيخ أبو محمد وغيرهم. ورجحه القاضي الرّوياني أيضاً، وحكاه عن نص الشافعي -رضي الله عنه- في كتاب "الإمامة" وعلل بأن الإمامة أشق فيكون الفضل فيها أكثر، وتوسط بعض علمائنا بين المذهبين، منهم أبو علي الطبري والقاضي ابن كج، والمسعودي، والقاضي الحسين، فقالوا: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وما ينوب فيهما واستجمع خصالها فالإمامة أفضل له، وإلا فالآذان


(١) أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٦) بإسناد جيد.
(٢) الوجوب في اللغة، السقوط والثبوت والإستقرار، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت ثابتة على الأرض لازمة محلها، والواجب: الساقط والثابت والمستقر. واصطلاحاً ما لزم تاركه شرعاً على بعض الوجوه، وقيل الفعل الذي طلبه الشارع طلباً جازماً سواء كان ذلك بدليل قطعي، أو بدليل ظني خلافاً للأصناف والاستحباب اصطلاحًا: ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، انظر القاموس المحيط (٢/ ٣٣٩)، المحصول (١/ ١١٧) الابهاج (١/ ١٥٥) منتهى الوصول لابن الحاجب بن المستصفى (١/ ٤٢)، الإحكام للطومدي (١/ ١٣٨).
(٣) سورة يس: الآية ١١.
(٤) فقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>