للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي: "أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ، والآخَرُ يَشُقُّ فَبَعَثَ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِي طَلَبِهِمَا، وَقَالُوا أَيُّهُمَا جَاءَ أَوّلاً عَمِلَ عَمَلَهُ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ الذِي يَلْحَدُ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-" (١).

الثالثة: توضع الجنازة على شَفِيرِ القبر بحيث يكون رأس الميت عند رجل القبر، ثم يُسَلُّ في القبر من قبل رأسه سَلاًّ رفيقاً وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة: توضع الجنازة بين القبر والقِبْلة، ويدخل القبر عرضاً. لنا ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلاًّ" (٢).

وقوله في الكتاب: "ثم تُوضَعُ الجَنَازَةُ عَلَى رَأْسِ القبر" لم يَعْنِ برأس القبر ضد رجله ومؤخره، وإنما أراد طرفه، ألا تراه يقول عُقَيبه: بحيث يكون رأس الميت عند مؤخرة القبر.

الرابعة: لا يدخل الجَنَازَة في القَبرِ إلا الرِّجال ما وجدوا سواء كان الميت رجلاً أو امرأة؛ لأنه يحتاج إلى بطش وقوة، والنساء يضعفن عن مثل ذلك غالباً، ويخشى من مباشرتهنّ لذلك انهتاك الميتة وانكشافهن، ثم أولى الرجال بالدفن أولاهم بالصلاة، نعم الزّوج أحق بدفن الزوجة من غيره ثم بعده المحارم، ويقدم منهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم، فإن لم يكن منهم أحداً فعبيدها، وهم أولى من بني العم؛ لأنهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه على الصحيح، وفيه خلاف سيأتي في موضعه، فإن أَلْحَقنَاهُم بالأَجَانِب فلا يتوجه تقديمهم. وأبدى إمام الحرمين فيهم الاحتمال من جهة أخرى، وهي أن مالكها ينقطع عنهم بالموت، وشبهه بالتردّد في غسل الأَمَةِ مولاها، فإن لم يكن لها عبيد فالخِصْيَان أولى لضعف شهوتهم.

قال الإمام: وفيه احتمال بيِّن سنذكره في أحكام النظر، فإن لم يكونوا فذوو الأرحام الَّذين لا محرميّة لهم، فإن لم يكونوا فأهل الصَّلاح من الأجانب.

قال الإمام: وما أرى تقديم ذوي الأرحام محتوماً بخلاف تقديم المَحَارِم؛ لأن الدين لا محرمية لهم من ذوي الأرحام كالأجانب في وجوب الاجتناب عنهم في الحياة، وقدم "في العدة" صاحبها نساء القرابة على الرجال الأجانب وهو خلاف النص، والمذهب المشهور.

إذا عرفت ما ذكرنا فلا يخفى عليك أن قوله في الكتاب: "زوجها ومحارمها" ليس


(١) أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٣١)، والبغوي في شرح السنة (٥/ ٣٨٩) وابن ماجة (١٥٥٧) (١٦٢٨) والبيهقي (٣/ ٤٠٨).
(٢) أخرجه الشافعي (٥٩٨)، والبيهقي (٤/ ٥٤)، انظر التلخيص (٢/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>