للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة لا يتطوع بها، وروى المُحَامِلِيُّ وطائفة هذا الوجه بعبارة أخرى، فقالوا: من كان من أَهْل الصَّلاة يصلِّي عليه يوم موته ومن لا فلا، فعلى العبارتين معاً من لم يولد عند الموت، أو لم يكن مميزاً لم يكن له أن يصلّي على القبر ومن كان مميزاً حينئذ هل يصح؟ أما على العبارة الأولى فلا؛ لأنه لم يكن من أهل فرضيّة الصلاة، وأما على الثَّانية فنعم، لأنه كان من أَهْل الصَّلاة، والعبارة الأولى أشهر، والثانية أصحّ عند القاضي الروياني، وهي التي يوافقها لفظ الكتاب، فإنه قال: وقيل من كان مميزاً عند موته يصلّي فلا يعتبر إلا التّمييز الذي يعطي أهليّة الصَّلاة دون أهليّة الافتراض.

والوجه الخامس: أنه يصلّي عليه أبداً؛ لأن القصد بهذه الصَّلاة الدُّعاء وهو جائز في الأوقات كلّها، وأظهر الوجوه هو الرّابع، ثم هذا كله في قبر غير النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

فأما الصَّلاَة على قبره فتبنى على الوجوه المذكورة في حق غيره، فعلى الوجوه الأربعة الأولى لا يصلّى عليه اليوم، أما على غير الثَّالث فظاهر، وأما على الثالث فليس الامْتِنَاع؛ لأنه لا يبلى إِذِ الأَرْض لا تَأْكُلُ أَجْسَاد الأَنبياء، ولكن لأنه روى في الخبر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي مِنْ أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلاَثٍ" (١).

وعلى الوجه الخامس هل يصلى عليه؟ فيه وجهان:

أظهرهما: لا، لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ" (٢).

والثاني: نعم، كما في حقِّ غيره، ولكن فرادى لا جماعة كما فعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحكى هذا عن أبي الوليد النَّيْسَابُوري.

إذا عرفت ذلك أعلمت قوله: "فلا يصلى على قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بالواو، ويجوز أن يعلم ما سوى الثَّاني من الوجوه بالألف؛ لأن مذهبه الثاني كما قدمناه.

فائدة: قوله في أول هذا الطرف: "وهي كسائر الصلوات" أراد به في الشّرائط كما قدمناه، ثم الغرض بيان أنَّ شرائط سائر الصَّلوات مرعية فيها؛ لأن شرائط هذه الصَّلاة منحصر فيها؛ لأنه يشترط فيها تقدّم غسل الميّت حتى لو مات في بئر، أو في معدن انْهَدَم عليه، وتعذَّر إخْرَاجه وغسله لم يصلّ عليه، ذكره صاحب "التتمة"، ويشترط فيها أيضاً عدم التقدم على الجنازة الحاضرة بين يديه، وعلى القبر إن كان يصلى عليه على الصحيح.


(١) أورده الإمام في "النهاية" وقال الحافظ لم أجده هكذا. انظر التلخيص (٢/ ١٢٥ - ١٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٥، ١٣٣٠، ٣٤٥٣، ٣٤٥٤، ٤٤٤١، ٤٤٤٣، ٤٤٤٤، ٥٨١٥، ٥٨١٦)، ومسلم (٥٣١)، (٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>