للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ينبش للصلاة ولكن يأثم الدافنون بما فعلوا، فإن تقديم الصلاة على الدفن واجب، وعندهما لا يصلى على القبر. لنا ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أنَّ النَّبِيَّ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلاً فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ، قَالَ: أَفَلاَ آذنْتُمُونِي. قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ الْلَيْلِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ، فَقَامَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ، قَال ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَأَنَا فِيْهِمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ" (١). ولك أن تعلم قوله في الكتاب: "فلا تفوت بالدفن" بالواو؛ لأن أبا عبد الله الحَنَّاطي حكى عن أبي إسحاق المَرْوَزِي أن فرض الصَّلاة لا يسقط بالصَّلاة على القبر، وإنما يصليِّ على القبر من لم يدرك الصَّلاة، وإلى متى تجوز الصلاة على القبر؟ فيه خمسة أوجه:

أحدهما: إلى ثلاثة أيام، ولا تزاد؛ لأنها أول حدِّ الكثرة وآخر حد القلة، ويروى هذا عن أصحاب أبي حنيفة -رحمه الله- حيث جوزوا للوليّ الصلاة على القبر.

والثاني: وبه قال أحمد -رحمه الله-: أنه يصلِّي عليه إلى شهر ولا يزاد، وهذا ما ذكره ابن القاصّ في "المفتاح". قال القفَّال: يحتمل أنه خرّج ذكل من صلاة النَّبي على النَّجاشي، فإنه كان بينهما مسيرة شهر، ومعلوم أنه لولا الوحي لما علموا بموته إلا بعد شهر، ومنهم من وجهه بما روي "أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ مَغرُورٍ بَعْدَ شَهْرٍ" (٢).

ولم تنقل الزّيادة عليه.

الثالث: أنه يصلي عليه ما دام يبقى منه شيء في القبر، فإن انمحقت الأجزاء كلها فلا إذ لم يبق ما يصلّى عليه، وعلى هذا لو تردد في انْمِحَاق الأجزاء فلإمام الحرمين -رحمه الله- فيه احْتِمَالان:

أحدهما: أن يقال الصَّلاة تستدعي تيقّن البقاء في القبر.

والثاني: أن يقال: الأصل بقاؤه فيجوز وهذا الثاني أْوفق لرواية الصَّيدلاني وآخرين، وأصل الوجه فإنهم نقلوا أنه يصلي عليه ما لم يعلم بلاه.

والوجه الرابع: أنَّه يصلّى عليه من كان من أهل فرض الصَّلاة يوم الموت ولا يصلّى عليه غيره، هكذا رواه الشيخ أبو محمد والصَّيدلاني وغيرهما عن الشيخ أبي زيد، وأشار إليه صاحب "الإفصاح"، ووجهه: بأن من كان من أهل الفرض يومئذ كان الخطاب متوجهًا عليه فمتى أَدَّى كان مؤدياً لفرضه، وغيره لو صلّى كان متطوعاً، وهذه


(١) أخرجه البخاري (١٢٤٧)، ومسلم (٩٥٤).
(٢) أخرجه البيهقي (٤/ ٤٩) من رواية أبي محمد بن سعيد بن أبي قتادة قال: وهو مرسل: قال: وروى هكذا بزيادة عن أبيه موصلاً بدون التأقيت قال: ويروى بعد موته بسنة، والصواب الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>