قال الرافعي: تجوز الصَّلاة على الغائب بالنَّية، سواء كان في جهة القِبْلة أو في غير جهتها، والمصلي مستقبل بكل حال. وبه قال أحمد خلافاً لمالك وأبي حنيفة -رحمهم الله-.
لنا ما روي "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، وَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تكْبِيرَاتِ"(١). وهذا إذا كانت الجَنَازة في بلدة أو قرية، ولا فرق بين أن يكون بين الموضعين مسافة القَصْر أو لا يكون، فإن كانت في تلك البلدة، فهل يجوز أن يصلى عليها وهي غير موضوعة بين يديه؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم كالغائبة عن البلد.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب -لا، لتيسير الحُضور، وشبه هذا الخلاف بالخلاف في نفوذ القَضَاء على من في البلد مع إمكان الإحضار، وإذا شرطنا حضور الجَنَازة فينبغي أن لا يكون بين الإمام وبينها أكثر من مائتي زراع أو ثلاثمائة على التقريب، حكاه المعلق عن الشيخ أبي محمد.
قال الرافعي: إذا أقيمت جماعة في صلاة الجَنَازة ثم حضر آخرون، فلهم أن يصلُّوا عليها أفراداً أو في جماعة أخرى، وتكون صلاتهم فرضاً في حقهم، كما أنها فرض في حق الأولين، بخلاف من صلاها مرة لا تستحب له إعادتها فإن المعادة تكون تطوّعاً، وهذه الصلاة لا يتطوع بها، فإن كان قد صلى مرة، وأراد إعادتها في جماعة لم يستحب أيضاً في أظهر الوجهين، ولا فرق بين أن يكون حضور الآخرين قبل الدفن أو بعده، ولا يشترط ظهور الميت، وخالف أبو حنيفة في الحالتين.
أما قبل الدفن؛ فلأن عنده لا يصلى على الجنازة مرتين، وأما بعده فلأن عنده لا يصلى على القبر إلا إذا دفن ولم يصلّ عليه الولي فله أن يصلي على القبر، وهكذا له أن يصلّي عليه قبل الدَّفن إذا كان غَائباً وصلّى عليه غيره، وساعد أبا حنيفة مالك في الفصلين، والخلاف جاء فيما إذا دفن ميت قبل أن يصلى عليه فعندنا يصلى على قبره