للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنا إنما كُنَّا نبحث لحقِّه، فإذا اعترف بعدالتهما أغْنَانَا عن البحث والتعديل.

والثاني: لا بدّ من البحث والتعديل لحق الله تعالى، ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة الفساق، وإن رضي الخصم به، وأيضًا، فالحكم بشهادة الإِنسان، يتضمن الحكم بعدالته، والحكم بالعدالة بتعديلِ واحدٍ لا يجوز، وهذا أقوى في المعنى، وإليه يميل كلام صاحبي "المهذب" و"التهذيب" والمذكور في الكتابِ هو الأولُ، ولو صدقهما فيما شهدا به، فيقضي القاضي عليه بإقراره بالحق، ويستغني عن البحث عن حال الشاهدين، وكذا لو شهد واحدٌ فصدقه (١)، ولو شهد شاهدان معلوما العدالةِ، ثم أقرَّ المشْهودُ عليه بما شهد به قبل أن يحكم القاضي، فالحكم يستند إلى الإِقرار دون الشهادة، أو يستند إليهما جميعًا، حكى القاضي أبو سعد الهرويُّ فيه وجهين، قال: والمذهب منهما الأول، والثاني حكاه الفورانيُّ في "المناظرة"، وذكر أنه لو أقر بعد الحكم بشهادة الشاهدَيْن، فقد مضى الحكم مستندًا إلى الشهادة، سواءٌ وقع إقراره بعد تسليم المال إلى المشهود له أو قبله، وفيما إذا أقر قبل التسليم وجهًا آخر، وأنه لو قال الخصم للشاهد: قبل أداء الشهادة ما تشهد به علَيَّ، فأنت عدلٌ صادقٌ، لم يكن ذلك إقرارًا، لكنه تعديل للشاهد، إن كان من أهل التعديل، ولو جهل القاضي إسلام الشاهد، لم يقنع بظاهر الدار، ولكن يبحث عنه، ويكفي فيه الرجوع إلى قول الشاهد، لأن أعرابيًّا شهد عند رسول الله برؤية الهلال فسأله عن إسلامه، وقَبِلَ شهادته (٢)، ولو جهل حريته يَبْحَثُ أيضًا، وهل يكْفِي فيها قول الشاهد على وجهين:

أحدهما: نعم، كما في الإِسلام.

وأظهرهما: على ما قاله في "المهذب": لا، كما في العدالة ويخالف الإِسلام، فإنه يستقل به، فيقبل قوله فيه، وليست الحرية كذلك.

وقوله في الكتاب "ويجب على القاضي الاستزكاء مهما شك" أشار بقوله مهما شكَّ إِلَى أنه إذا علم حال الشهود لا يستزكي على ما سبق.

وقوله "وإن سكت الخصم" مُعْلَم بالحاء، ويجوز أن يعلم بالواو أيضًا؛ لأن


(١) ظاهر كلامه في قوله وهذا لو شهد واحد فصدقه أي فإنه يكون لقرار أنه مخالف لما قدمه في كتاب الإقرار حيث قال التاسعة: شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل فليس بالإِقرار وإن قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه كان إقرارًا. قاله في المهذب.
قال النووي: من زيادته في لزومه بقوله عدل فيه نظر، فإن حمل كلام الشيخ هنا على ما إذا صدقه فيما شهد به اندفع الاعتراض.
(٢) تقدم في الصيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>