للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي أبا القاسم ابن كج رَوَى عن بعض الأصحاب أن الاستزكاء إنما يجب، إذَا طلبه الخَصْمُ؛ لأنه حقه.

فَرْعٌ: قال في "العدة": لو استفاض فسق الشاهدَيْن بين الناس، فلا حاجَةَ إِلى البحث والسؤال، وينزل المستفيض منزلة المَعْلُوم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَليَكْتُبْ إِلَى المُزَكِّيْنَ اسْمَ الشَّاهِدَيْنِ والخَصْمَيْنِ فَلَعَلَّهُ يَعْرِفُ بَيْنَهُمْ عَداوَةً، وَقِيلَ: يَكْتُبُ قَدْرَ المَالِ أَيْضًا فَرُبَّمَا يَعْدِلُ فِي اليَسِيرِ دُونَ الكَثِيرِ، وَقِيلَ: العَدَالَةُ لاَ تَتَّجَزَّأُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: غرض الفصل بيان كيفية الاستزكاء، واعْرِفْ أولاً شيئين:

أحدهما: أن القاضي ينبغي أن يكون لَهُ مزكُّون وأصحاب مسائلَ، والمزكُّون هم المرجوع إليهم؛ ليبينوا حال الشهود، وأصحاب المسائل الذين يبعثهم القاضي إلى المزكِّين؛ ليبحثوا أو يسألوا، وربما فسر أصحاب المسائل في لفظ الشَّافعي -رضي الله عنه- المزكِّين أنفسهم، إمَّا لأنهم مسؤولون، أو لأنهم، إذا لم يعرفوا سألوا من يعرف من الجيران، وأهل الحرفة ورفقاء السفر والمعاملين.

والثاني: المُخْبِرُونَ عن فِسْقِ الشهودِ وعدالَتِهِمْ ضربان:

أحدهما: من نصبه الحاكم للجَرْح والتَّعْدِيل إما مطلقًا أو في واقعةٍ خاصَّةٍ فيسمع الشهادة عليها، وما يثبت عنده أَنْهَاهُ إلى القاضي.

والثاني: من يَشْهَدُ بالعدالة أو الفسق، ثم مِنْ هؤلاء مَنْ يشهد أصالةً، ومنهم من يشهد بناءً على شهادة غيره، والأول قد يعرف الحَالَ، فيشهد، وقد لا يعرف، فيأمره القاضي بالبحث والتفحص؛ ليعرف، فيشهد كما يوكِّلْ القاضي بالغريب الذي يدعي الإفلاس من يبحث عن حاله، ويخالطه؛ ليعرف إفلاسه، فيشهد، وأما الثاني، فهو شاهد فرع، والقياسُ الظاهرُ أنه لا يشهد إلا عند غيبة الأصل أو عذر مانع من الحضور، وكذلك ذكره القاضي أبو سعد الهرويُّ، ويجيء من بعدُ ما ينازع فيه، إذا تقرَّر ذلك، فإذا أراد القاضي البحث عن حال الشهود، كتب اسم الشاهد وكنيته، إن اشتهر بها، وولاءه إن كان عليه ولاءٌ، واسْمَ أبيه وجَدِّه، وحليته وحرفَتَه، وسوقه ومسجده، وكلَّ ذلك؛ لئلا يشتبه بغيره، فإن كان الرجل مشهورًا، وحصل التمييز ببعض هذه الأوصاف، اكتفى به، ويذكر في الكتاب اسم المشهود عليه، فقد يكون بينه وبين الشاهد عداوة، واسم المشهود له فقد يكون بينه وبين الشاهد ولادة أو شركة تمنع قبول الشهادة، وفي قدر المال وجهان:

أحدهما: لا يذكره؛ لأن العدالة لا تختلف بقلَّة المال وكثرته، ولا تتجزأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>