وأظهرهما: وهو المنصوص: أنه يذكره، وقول الأول أن العدالة تتجزَّأ، حكى أبو العباس الرُّويانيُّ فيه اختلافًا عن الأصحاب، مِنْهُمْ مَنْ منعه، وقال: قبول الشهادة مبنيٌّ على غلبة الظن بصدق الشاهد، وقد يغلب على الظن الصدق في القليل دون الكثير، ومنهم من سلمه، وقال: إنما يذكره؛ لأن الكثير أجدر بالاحتياط، وذكر المال، قد يكون أطيب لقلب المزكي، وبنى على الخلاف في أن العدالة، هل تتجزأ أنه لو عدل، وقد شهد بمال قليل، ثم شهد في الحال بمالٍ كثيرٍ، هل يحتاج إلى التزكية، ويكتب إلى كلِّ مزكي كتابًا، ويدفعه إلى صاحب مسألة، ويخفى كل كتاب عن غير من يدفعه إِليه وغير من يبعثه إِليه احتياطًا، ثم إذا وقف القاضي على ما عند المزكين، فإن كان جرحًا، لم يظهره، وقال للمدعي: زِدْ في الشهود، وإن كان تعديلاً، عمل بمقتضاه، وحكَوْا وجهين، والحالةُ هذه، أنه بم يحكم، بقول المزكِّين، أم بقول أصحاب المسائل؟ لأن قولهم شهادة على شهادة، فكيف يقبل مع حضور الأصل، وإنما هو رسل، وعلى هذا يجوز أن يكون صاحب المسألة واحدًا فإن عاد بالجرح توقَّف القاضي، وإن عاد بالتعديل، دعا مُزَكِّيْن؛ ليشهدا عنده بعدالة الشاهد، ويشير إليه ويأمن بذلك من الغلط من شخص إلى شَخْصٍ، وعن الإصطخريِّ: أنه إِنما يحكم بقول أصحاب المسائل، وعلى هذا قال الشيخ أبو حامدٍ: إنه يبني عَلَى ما يثبت عنده ثم بقول المزكين، وفي "الشامل": إنه، إن كان شهادةً على شهادةٍ تقبل للحاجة، لأنَّ المزكي لا يكلف الحضور عند الحاكم، وقول الإصطخريِّ أصحُّ عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وغيرهما: قَالُوا: وعلَى هذا إنما يعتمد القاضي قول اثنين من أصحاب المسائل، فإن وصفاه بالفسق، فعلى ما سبق، وإن وصفاه بالعدالة، أحضر الشاهدين ليشهدا بعدالته علانيةً، ويشير إليه، وقد يفيدك التأمل في كلام الأصحاب أن تقول: ما ينبغي أن يكون في هذا خلافٌ محقَّقٌ، ولكن إن ولى صاحب المسألة الجَرْحَ والتعديلَ، فحكمِ القاضي مبنيٌّ على قوله، ولا يعتبر العدد؛ لأنه حاكم، وإن أمره بالبحث، فبحث ووَقَفَ عَلَى حال الشاهد، وشهد بما وقف عليه، الحكم أيضًا مبنيٌّ على قوله، ويعتبر العدد؛ لأنه شاهد، وإن أمره بمراجعة مزكيين فصاعدًا، أو بأن يعلمه بما عندهما، فهو رسولٌ محضٌ، والاعتماد على قولهما، فليحضرا، وليشهدا، وكذا لو شهد على شهادتهما؛ لأن شهادة الفرع مع حضور الأَصْل غير مقبولة.
وقوله في الكتاب "فلعله يعرف بينهم عداوة" يعني بين الشاهد والمشهود عليه إما العداوة وبينهما وبين المشهود له، فإنها لا يقدح في الشهادة.
وقوله:"وقيل العدالة لا تتجزأ" أي فلا يكتب قدر المال، وفيه ما بيناه، والله أعلم.