للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قوله: يا طالقُ، وتخلُّل هذه الكلمة يَقْدَحُ؛ لأنه ليس أجنبيًّا عن هذه المخاطبة، فأشبه ما إذا قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً، يا حفصة إن شاء الله، وأما بقوله: طالقُ فلأن؛ وصْفَها بالطالقية، والصيغة هذه، تشعر بأنه بناه على الطلقات الَّتي أوقعها، فإذا لغت بسبب الاستثناء، لغى الوصف المبنيُّ عليها، ووراء هذا وجْهَان:

أحدهما: وهو المذكور في "التتمة" أنَّه تقع طلقة واحدة بقوله: يا طالقُ، كما في الصورة السابقة.

والثاني: أنَّه تقع الثلاث، ووجهه الإِمام -رحمه الله- بطريقتين:

أحدهما: البناء على أن النداء يدخله الاستثناء، فإن الاستثناء حينئذٍ يتعلَّق بقوله: يا طالقٌ، ومنصرف عن قوله: أنتِ طالقٌ ثلاثاً، فيقع.

والثاني: أنَّ قوله "طالقٌ" يَقْدَح في اتصال الاستثناء بأوَّل الكلام؛ لأنه فضلة، فيستغنى عنْها بخلاف قوله: "يا حفصة" فإنه جار على الاستقامة وحسن النظم، ولتعلَّم لهذين الوجهين قولُه في الكتاب "لم يَقَعْ شَيْء" بالواو، ويشبه أن يكون الأظهر الوجْه الذاهب إِلى وقوع طلقة واحدة فإن قوله: "يا طالق" كلام مستقل بنفسه؛ فينبغي أن يترتَّب حكمه عليْه تقدَّم أو تأخَّر؛ ويؤيده أنَّه ذكر صاحب "التهذيب" وغيْره أنه لو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً يا زانية إن شاء الله، يَرْجِع الاستثناء إلى الطلاق، ويجب الحدُّ بقوله: "يا زانية"، فكما ترتَّب موجب قوله: "يا زانية" عليه كذلك يترتب موجب قوله: "يا طالق" (١).

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأ اللهُ أَوْ إِلاَّ أنْ يَشَاءَ اللهُ لَمْ يَقَعْ لِلجَهْلِ بِالمشِيئَةِ، وَلأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ الوُقُوعُ عَلَى خِلاَفِ المَشِيئَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَصَفَهُ بِمُحَالٍ فَيَلْغُو وَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أنْ يَدْخُلَ زَيْدٌ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ إِذَا مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَبَيَّنَ وُقُوعُهُ أَوَّلاً، فَلَوْ شَكَّ في دُخُولِهِ فَقِيلَ إِنَّهُ يَقَعُ؛ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ صَارَ مَشْكُوكاً فِيهِ، وَقِيلَ: لاَ يَقَعُ؛ لأَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ وَصَارَ مَشْكُوكاً فِيهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: بين الحكم فيما إذا علّق الطلاق بمشيئة الله تعالى، فأمَّا إذا علَّقه بعدم المشيئة، فقال: أنتِ طالقٌ إن لم يشأ الله، لم يقع الطلاق؛ لأنَّ عَدَم المشيئة غير معلوم، كما أن المشيئة غيْر معلومة؛ ولأن الوقوع بخلاف مشيئة الله تعالى محالٌ، فأشْبَه ما إذا قال: أنتِ طالقٌ إن صعدت السماء وإن اجتمع السواد والبياض لا يقع الطلاق، وعن صاحب "التخليص" أنَّه يقع؛ لأنه رَبَط الوقوع بما يضاده؛ لأن الوقوع بِخلاَفِ مشيئة الله تعالى محالٌ، فكان كما إذا قال: أنتِ طالقٌ طلاقاً لا يقع عليْكِ، وكذا الحُكْم


(١) قال النووي: هذا الذي ذكره من ترجيح الأول هو الأصح، وقد قطع به جماعة غير المتولي.

<<  <  ج: ص:  >  >>