للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستصحب الأصْل في الزيادة، كما يستصحب عنْد الشك في الطلاق.

وقال مالك -رحمه الله-: إذا شَكَّ في عددِ الطَّلاق بعْد ما تحقَّق أصْلَه، يأخذ بالأكثر كما إذا تحقَّق النجاسة في ثوبة، ولم يَعْرِفْ قدْرها، أخذ بالأكثر؛ ويغسل جميع الثوب، وأجاب الأصْحَاب -رحمهم الله- بأنَّ هناك ليس للنجاسة قدْرٌ معلومٌ حتى يستصحب أصْل العدم فيما عداه، وقد يتيقن التحريم، فوجب استصحابه إلى أن يتيقن الطهارة، وهاهنا قَدْر الطلاق من واحدة أو اثنتين مَعْلُومٌ، فيستصحب أصل العدم فيما عداه، ووزان النجاسة من مسألتنا أن يتحقَّقها في طَرَف من الثوب، ويشُكَّ في إصابتها طرفاً آخر، وحينئذٍ فلا يجبُ غَسْل الموضع المشكُوك فيه، والوَرَعُ في صورة الشَّكِّ الأخذُ بالاحتياط، فإذا كان الشكُّ في أصل الطلاق فيراجعها؛ ليكون على يقين من الحِلِّ، وإن طاب نفساً بالإِعراض عنها طلَّقَها ليحصل الحل لغيره يقيناً، وإن شكَّ في ثلاث طلقات، فإن كان الشكُّ في أنه وَقَع ثلاثٌ أو ثنتان، لم يَنْكِحْها حتَّى تنكح زوجاً غيْره، وإن شك في أنَّه وَقَعَ الثلاث أو لم يَقْع شيء طلقها ثلاثاً؛ لتَحِلَّ لغيره يقيناً.

ولو كانت تحته امرأتان؛ زينب وعمرة، فقال: إنْ كان هذا الطائِرُ غراباً، فزينبُ طالقٌ، وإلا فعمرة، وأشْكَل الحال، فيقع الطلاق على واحدةٍ منهما؛ لحصول إحدى الصفتين، وعليه الامتناع منهما إلى أن يتبين الحال، وعليه البَحْث والبيان، ولو تنازع اثنان في الطائر، فقال أحدهما: إن كان غراباً فامْرأتي طالقٌ، وقال الآخر: إن لم يَكُنْ غراباً، فامرأتي طالقٌ، لم يحكم بطلاق واحدة منهما، بخلاف ما إذا اتَّحَد الشخص، وتعدَّدت المنكوحة؛ قال الإِمام -رحمه الله-؛ لأن الشخص الواحد يمكن حمله على مقتضى الالتباس، وربط [بعض] (١) أمره ببعض، والرجلان يمتنع الجَمْع بينهما في توجيه الخطاب، ومعلوم أن أحدهما لو انفرد بما قال لَمْ يُحْكَم بوقوع طلاقه، فيستحيل أن يتغيَّر حكمه بمقالةٍ تصْدُر من غيره، وهذا كما أنَّا إذا سَمِعْنا صَوْتاً حَدَث بيْن اثنين، ثم قام كلُّ واحد منهما إِلى الصَّلاة لم يكُنْ للآخر أن يعرض عليه، ولو أن الواحد صلَّى صلاتين تيقَّن الحَدَث في أحدهما التبست عليه يؤمر بقضاء الصلاتين، فعُلِمَ أنه إذا كان الشَّخْص واحداً، لم يمتنع توجيه الخِطَاب عليْه بمؤاخذة تتعلق بواقعتين، ولو جَرَى التعليق من اثنين كما ذَكْرنا في العِتَاق، فقال أحدهما: إن كان غُرَاباً فعبدي حُرٌّ، وقال: الآخر: إن لم يكن غُراباً فعبْدي حرٌّ، فكذلك لكل واحد منهما إمْسَاك عبْده، والتصرف فيه، لكن إذا مَلَك أحدُهما عبْدَ الآخر بشراء أو غيره، واجتمع العبدان عنْده، فيُمْنَع من التصرف فيهما لكن يؤمر بتعيين العِتْق في أحدهما؛ لأنَّه قد اتَّحَد المخاطب الآن، فأشْبَه


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>