للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبادر إليْه إذا بلغها الخبر ومال الإِمام -قدَّس الله روحه- إلى أن الفَوْر لا يُشْترط في هذه الصورة أيضاً, وقال: الصيغة بعيدةٌ عن قصْد التمليك إذا لم يكُنْ على وجْه الخطاب، ويشبه تمكنها من الفراق بما إذا قال: إن دخلْتِ الدَّار، فأنتِ طالقٌ، فإنه يتضمن تمليكها التسبب إلى الطلاق، ولا يُشْترط الفور في الدخول بالاتفاق، وإذا كان الأظْهر في الصورتين أنَّه لا يشترط الفوْرُ، حَسُن أن يعلَّل اشتراط الفور فيما إذا علَّق الطلاق بمشيئة الزوجة على وجْه الخطاب بمجموع المعنيين، ولو قال: امرأتي طالقٌ إن شاء زيْدٌ، فليس هاهنا خطاب، ولا تمليك، فسبيلُه سبيلُ سائِر التعليقات بلا خلاف، ولو علَّق الطلاق بمشيئتها ومشيئة غيرها، كما إذا قال: إن شئت وشاء وأبُوكِ، فأنتِ طالقٌ، أو إن شئت، وشاء فلانٌ، فلا بد من مشيئتهما؛ ليقع الطلاق، ويُشْتَرط الفور في مشيئتها، وفي مشيئة الأب أو الأجنبي وجهان:

أحدهما: وبه قال القاضي الحُسَيْن: أنَّه يشترط الفَوْر فيها لأنه قرن مشيئته بمشيئتها، فيكتسب مشيئته مشيئتها اشتراط التعجيل.

وأصحُّهما: المَنْعُ، ويجري على مشيئة شرطها, لو انفردت، وهذا كما أنَّه لو قال: أنتِ طالقٌ، إن شئت ودخلت الدَّار يؤثر على كلُّ واحد من الوصفَيْن حُكْمَه لو انفرد.

ولو علَّق الطلاق بمشيئتها أو مشيئة غيرها، فقال المعلِّق، بمشيئة الزوج شئت إن شئْت أو إن شاء فلانٌ، لم يقع الطلاق، وإن قال الزوج [أو قال فلان] شئْتُ؛ لأنه علَّق الطلاق بمشيئة مجْزوم بها، وتعليق المشيئة ليس خبراً عن مشيئة محقَّقة، والمشيئةُ المحقَّقةُ لا تُعلَّق، وكذا لو قال: شئْت غدًا، إذا علَّق الطلاق بمشيئتها، فقالت: شئْتُ، وهي كارهةٌ بقلبها وقع الطلاق في الظاهر، وهل يقع باطناً باختلاف فيه القفَّال وأبو يعقوب الأبيوردي وتناظرا، فقال أبو يعقوب: لا يقع كما لو علَّق بحيضها فقالت: حِضْتُ وهي كاذبةٌ، وإلى هذا مال القاضي الحُسَيْن، وقال القَفَّال؛ يقع، وذكر صاحب "التهذيب" أنَّه المذْهَب؛ لأن التعليق في الحقيقة بلفظ المشيئة (١)؛ لا بما في الباطن؛ ألا ترى أنَّه لو علَّق بمشيئة الأجنبي، فقال: شئْتُ، صُدِّق، ولو كان التعليق بما في الباطن، لَمَا صُدِّق، كما إذا علَّق طلاق ضرتها بحيضها، لا تُصدَّق في حق الضُّرَّة. ويخالف ما إذا علَّق بحيضها، فقالت: حِضْتُ، وهي كاذبة, لأن دم الحيض محسوسٌ مشاهدٌ، وإنما اعتمدنا قوْلَها فيه؛ لأنها مؤتمنة والمشيئة تحس ولا تُعْرَف إلا من جهتها، وكان التعليق بقولها "شئت" ويجري الخلاف فيما إذا عَلَّق بمشيئة زيد، فقال زيْد: شئْتُ، وهو كارهٌ بقلبه، ولو وُجِدَت الإِرادة دون اللَّفْظ، فعلى ما قال القَفَّال: لا يقع الطلاق،


(١) قال النووي: قال الرافعي في "المحرر": الإصح الوقوع باطناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>