{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ... الآيات. وقال تعالى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}. فنبه سبحانه بافتتاحه الآيات بلفظ الوصية على وجوب استئصال ما كانوا عليه واجتناب بذوره من أصله. وجعل للصغار مع الكبار نصيباً. وكذا للإناث مع الذكور. ولا غرو أن كان هذا الحكم مما تحار العقول في حسن ما انطوى عليه من الحكم البالغة فسوى بين الصغير والكبير لأن الصغير إلى المال والإعانة أحوج. ونظر إلى الإناث بضعفهن وترغيباً في نكاحهن. غير أن حكمته اقتضت امتياز الذكر على الأنثى بجعل نصيبه ضعف نصيبها. لأن الذكر ذو حاجتين. حاجة لنفسه وحاجة لعياله والأنثى ذات حاجة واحدة. وأيضاً فإن الرجل أكمل حالاً من المرأة في الخلقة. وفي المناصب الدينية مثل صلاحية القضاء دونها والأمامة، وشهادتها فيما تقبل فيه على النصف من شهادة الرجل فلذلك استحق أن يكون نصيبه، في الميراث أكثر. أضف إلى ذلك قلة عقلها وكثرة شهوتها مما إذا انضم إليه المال الكثير عظم الفساد. قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}. وقال الشاعر: "إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده" أما الرجل فلكمال عقله يصرف المال فيما يفيده المدح الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، كبناء الرباطات وإغاثة الملهوفين والنفقة على الأرامل والأيتام. وذلك لأنه يخالط الناس كثيراً. أما المرأة فلقلة اختلاطها لا تقدر على ذلك غالباً. وعلى الجملة فالتوارث يدور على معان ثلاثة. أولها: القيام مقام الميت في شرفه ومنصبه وما هو من هذا الباب. ثانيها: الرفق والحدب عليه والخدمة والمواصاة. ثالثها: القرابة المتضمنة هذين المعنيين معاً. أما المعنى الأول فمظنة من يدخل في عمود النسب كالأب والجد والابن وابن الابن والأخوة ومن في معناهم ممن هم كالعضد ومن قوم المرء وأهل نسبه وشرفه. وأما المعنى الثاني فمظنة ذات القرابة القريبة والأحق به الأم والبنت ومن في معناهما ممن يدخل في عمود النسب وكذلك الأخت. ويوجد معنى الرفق والحدب في النساء كاملاً. وأما الثالث فمظنة على وجه الكمال من يدخل في عمود النسب كالأب والجد والابن وابن الابن فهؤلاء أحق الورثة بالميراث. فلذلك يفضل هذا النوع على الأوليين قبله. لأن الناس جميعاً عربهم وعجمهم يرون إخراج منصب الرجل وثروته من قوم إلى قوم آخرين جوراً وظلماً. هذا ولا يضر تحقيق معنين من المعاني الثلاثة السابقة في شخص واحد أو تحققها كلها فيه فإن ترتيبها على هذا الوجه لبيان من توفر فيه المعنى بوجه الكمال وكما أن الأب يقوم مقام الابن في الشرق وغيره كذلك الابن يقوم مقام أبيه -إلا أن قيام الابن مقام أبيه هو الوضع الطبيعي الذي عليه بناء العالم من انقراض قرن وقيام القرن الثاني مقامه. فهو الذي يرجونه ويتوقعونه ولو أن الرجل خير في ماله لكانت مواصاة ولده أملك لقلبه من =