للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنْ أبي هريرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ، وإنه نِصْفُ العِلْمِ، وإنه (١) أَوَّلُ ما يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي" (٢).

وَعَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَحَدَّثْتُم فَتَحَدَّثُوا بِالْفَرَائِضِ، وَإِذَا لَهَوْتُمْ، فَالْهُوا بِالرَّمْيِ" (٣).

وحُمِلَ قَوْلُهُ: "نِصْفُ العِلْم، وأنه أول ما ينزع" على أنَّ للإنسانِ حَالَتَي الحَيَاةِ والمَوْتِ، وفي الفَرائِضِ مُعْظَمُ الأحْكَامِ المتعلقةَ بحالِ المَوْتِ.

[الفاتِحَةُ] الثالثة: كَانُوا في الجاهِليَّة يُورِّثُونَ الرِّجَالَ دونَ النِّسَاءِ، ويجْعَلُونَ حَظَّ المرْأَةِ مِنَ الميراثِ أنْ يُنْفَقَ عَلَيْها من مَالِ [زوْجِهِا (٤) سنة]، ويقولُونَ الرِّجالُ هُمُ الِّذينَ يتحمَّلُونَ المُؤَن، ويُقْرُونَ الأَضْيَاف، وَيلْقَوْن الحروب، وكانُوا لمِثْل ذَلِكَ يُوَرِّثونَ الكِبَارَ من الأوْلادِ دُونَ الصِّغَارِ، وكانوا يُورِّثونَ الأمَ وابْنَ الأخ [وزَوْجَةَ الأخَ] (٥) والعَمَّ كَرْهَاً.

وَعَدَّ أَبو عَلِيٍّ الزجَّاجِيُّ والقاضي الرُّوَيانيُّ [رحمهُما اللهُ تَعَالَى] وكثيرٌ مِنَ الطبريَّةِ التوارثُ بالحَلِفِ والنُّصْرَةِ منْ وجُوهِ الإرْثِ في الجاهليَّة دونَ ما كانُوا علَيْهِ في ابتداءِ الإسْلاَم، والمشهور جريانُ التوارِثُ به في ابتداء الإسْلاَمِ، وقَد حَملَ عَلَيْه قولُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] ثم نُسِخَ ذلكَ، فكَأنُوا يتوارَثُونَ بالهِجرةِ والإسْلاَمِ، فلَوْ هَاجَرَ أحد القريبينِ المسلمينِ دُونَ الثَّانِي، لَمْ يتوارثا، وهُوَ المَغْنِيُّ بقولِهِ تَعالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] ثمِ نُسِخَ ذَلِكَ، وجُعِلَ الإرْثُ بالقرابة على ما قَالَ تعالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] ويُقالُ: إنَّهُ نُسِخَ بآية الوَصيَّة، وهِيَ قولُهُ تَعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: ١٨٠] الآية، وكانَتْ واجِبَةٌ للوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ.

وعنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: أنَّه كانَ يَجِب على المُحْتَضِرِ أنْ يوصي لكلِّ واحدٍ مِنَ الوَرَثَةِ بما في علْمِ الله تعالَى من الفرَائَضِ، وكانَ من يُوَفَّقُ لِذلِكَ مُصِيباً، ومن يَتَعَدَّاهُ مُخْطِئاً.

قَالَ الإمامُ: هذا زَلَلٌ، وَلا يَجْوزُ ثُبُوتُ مِثْلهِ في الشَّرائِعِ، فإنَّه تكليفٌ، علَى


(١) في ز: فإنها.
(٢) أخرجه ابن ماجة والحاكم والدارقطني، ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك.
قال الحافظ في التلخيص: قال ابن الصلاح: لفظ النصف هنا عبارة عن القسم الواحد وإن لم يتساويا وقال ابن عيينة: إنما قيل له نصف العلم لأنه يبتلى به الناس كلهم.
(٣) رواه الحاكم والبيهقي، ورواته ثقات إلا أنه منقطع كذا قاله الحافظ في التلخيص.
(٤) في ز: سنة زوجها.
(٥) سقط في: د.

<<  <  ج: ص:  >  >>