للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما؛ وبه قال أبو علي الطبريُّ: أنها تتوزَّع عليها جميعاً؛ لتعلق الجمال والمنفعة بها، فلو رفع الجاجز وحده، فعلَيْه ثلث الدية، ولو قطع إحدى الطرفَيْن، فكذلك، ولو قطعهما دون الحاجز أو أحدهما، مع الحاجز، فعليه ثلثا الدية، ولو قطع أحدهما، ونصف الحاجز، فعليه نصْفُ الدية.

والثاني، ويحكَى عن ابن سُرَيْجٍ وأبي إِسحاق: أن الدية تتعلَّق بالطرفين، وليس في الحاجز إلا الحكومة؛ لأن الجمال وكمالَ المنفعةِ فيهما دُون الحاجز، وعلَى هذا ففي الحاجزِ وحده الحكومةُ، وفي قطع أحد الطرفين نصفُ الدية، وفي قطعهما دون الحاجز تمامُ الدية، وفي قطعِ أحدهما مع الحاجز أو بعض الحاجز نصفُ الدية وحكومة، وفي "التهذيب": أن هذا الوجه الثاني أصحُّ، ونقل أبو إسحاق الشِّيرازيُّ؛ أنه المنصوصُ، لكن إيراد الكتاب يقتضي ترجيحَ الأول، وإليه ذهب القاضيان الطبريُّ والرويانيُّ، وقد يؤيَّد بأنه إذا قطع جميع المارن لا يجبُ إلا ديةٌ واحدةٌ، ولو كانت (١) الديةُ في مقابلة الطرَفَيْن، وكان واجب الحاجز الحكومة، لأشبه ألا تدخل (٢) حكومته في الدية، كما لو قطع مع المارن شيئاً بما يتصل بالشفة أو من الخدِّ، فإنه يجب لذلك حكومةٌ مع الدية، ويخرَّج مما ذكره الإمامُ نقلاً وتلخيصاً أنه لا يجب في أحد الطرفين النصْفُ، ولا الثلث، ولكن ينسب ما أُبِينَ إلى ما بقي، ويوزَّع الواجب عليهما، فيجب ما يقتضيه التقْسيط، وأقام هذا وجهاً آخر، لكنه لا يستغنى عن النظر في أن الدية يجبُ في مقابلة الطرفين، أو الطبقات الثلاث، ثم إنْ جعلنا الدية في مقابلة الطرفين، فلا يكاد يُفْرَضُ تفاوت بينهما, ولا يكون الواجب إلا النصف، وإن جعلنا في مقابلة الطبقات الثلاثِ، فيظهر تفاوت الطرفين على الوَتَرَة، ويكون الواجب فَوْقَ الثلاث، ودون النصْفَ، وأنف المجذوم إذا سَقَط بعضُه، وقطع الباقي، يجبُ فيه قسْط الباقي من الدية، وأنف الأخشم (٣) كأنف السَّليم؛ فإن الشمَّ لا يحل الأنف، ولو ضرب على أنفه فاستحشف أو قطع أنفاً مستحشفاً، فعلى الخلاف المذكور في الأذن.

وقوله في الكتاب: "وفي قطع جميع ما لان مِنَ المارِنِ كلُّ الدية"، في هذه اللفظة نظرٌ، فإن المارن هو الذي لاَنَ، ويجب بقطعه الدية؛ لأنه من المارن، فكان ينبغي أن يقول: وفي قَطْعِ جميعِ ما لاَنَ من الأنف، وهو المَارِنُ، وقد يتكلَّف، فيحمل "مِنْ" على بيان الجنس، ويقال: المعنَى في جميع ما لان مِنْ هذا الذي يُقَال له المارن.


(١) في ز: كان.
(٢) في ز: أن لا يدخل.
(٣) خشِم الأنف: تغيرت رائحته من داء فيه، والخُشَام داء يأخذ الخيشوم فيفقده حاسة الشم. ينظر المعجم الوسيط ١/ ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>