للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتد بها النظر، وإذا أسبلت (١) دارت الغبار مع نفوذ البصر.

وأظهرهما؛ على ما ذهب إليه القاضي الطَّبريُّ والشيخُ أبو محمَّد وغيرهما: أن حكومة الأهداب تدخلُ في دية الأجفان؛ كما تدخلُ حكومة الكفِّ في الأصابع، وكما أن الشَّعْر على الساعدِ والساقِ لا يفرد بالحكومة؛ واستشهد لهذا الوجْه أيضاً بأن الشَّعر عَلَى محلِّ الموضِّحة لا يُفْرَد بالحكومة، بل يدخل في أرْش، وهذا يشعر بالقَطْع به، وكذلك ذكره الإِمام وغيره، لكن في كتاب القاضي ابن كج حكايةُ وجهين في دُخُول حكومة الشعْر تحت أرش الموضِّحة، والظاهر الأول، وإن ثبت الخلافُ، وأجاب صاحب "التتمة" بما يوافق الوجه الآخر، فقال فيما إذا أوضح على الرأس أو الجبين (٢)، وأزال الشعر، إنه يجب عليه أغلظ الأمرين من الأرش أو الحكومةِ؛ كما حكينا عنه فيما إذا أَوْضَحَ جبينه، وأزال الحاجب، ويمكن أن يعود الخلاف هناك أيضاً، وقوله في الكتاب: "خلافاً لأبي حَنِيْفَةَ" بخلاف رسْم الكتاب، ويجوز أن يعلم لفظ "الأجْفَان وربع الدية" بالميم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّابعُ: الأنْفُ وَفِي قَطْعِ جَمِيعِ مَا لاَنَ مِنَ المَارِنِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي بَعْضِهِ البَعْضُ بِالنِّسْبَةِ، وَهُوَ مَعَ الحَاجِزِ بَيْنَ المَنْخَرَينِ ثَلاَثُ طَبَقَاتٍ، فَفِي كُلِّ طَبَقَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَقيلَ الحَاجِزُ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَفِي ظَاهِرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المَنْخِرَينِ نِصْفُ الدِّيَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجب في قطع المارن، وهو ما لان من الأنف، وخلا من العظم -كمالُ دية النفس؛ لما رُوِيَ في كتاب عمرو بْنِ حَزْم الَّذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَفِي الأَنْفِ إِذَا أَوْعَبَ جَذعاً- الدِّيَةُ" (٣) أي: استوعب وحمل ذلك على المارن، دون جميع الأنف؛ لما رُوِيَ عن طَاوُسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: "عِنْدِي كتابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "وفي الأنْفِ، إذاً قُطِعَ مَارِنُهُ مَائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ" (٤)، ويروى: "وفي الأنفِ، إذا استُؤْصِل المارن الديةُ الكاملةُ" (٥) ولأن الأنف عضوٌ فيه جمال، وفيه منفعة جمع الروائح، ومنع الغبار، وسائر ما يؤدي الدماغَ عنه، وهو فرد في جنسه، فكمل فيه الديةُ؛ كاللسان والذكر، والمارنُ ثلاثُ طبقات؛ الطرفان، والوترة، الحاجزة بينهما، وكيف تتوزَّع عليها الدية؟ فيه وجهان:


(١) في ز: اشتبكت.
(٢) في ز: واللحيين.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريح عن ابن طاوس عن أبيه به، وذكره الشَّافعي تعليقاً، ورواه البيهقي من طريق عكرمة بن خالد عن رجل من آل عمر، نحوه.
(٥) أخرجه البيهقي من حديث أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم قال: كان في كتاب عمرو بن حزم حين بعثه رسول الله إلى نجران: وفي الأنف إذا استؤصل المارن، الدية كاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>