للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تتعلق الفِدْيَة بشعر البَدَنِ. والتقصير كالحَلْقِ، كما أنه في معناه عند التَّحَلُّلِ وقَلْم الأظفار كَحَلْقِ الشَّعْرِ، فإنها تزال للتنظيف والترفه، وليس الحكم في الشَّعْرِ منوطاً بخصوص الحَلْقِ، بل بالإزَالَةِ والإبَانَةِ فيلحق به النَّتْفُ والإحْرَاقُ وغيرهما، وكذلك يلحق بالقَلْمِ الكَسْرُ والقَلْعُ.

ولو قطع يَدَهُ أو بعض أصابَعِهِ وعليها الشَّعْرُ والظّفْرُ فلا فِدْيَةُ عَلَيْهِ، لأن الشَّعْر وَالظُّفْرَ تَابِعَانِ هاهنا غير مقصودين بالإبَانَةِ، وعلى هذا القياس لو كشط جلدةُ الرَّأْسِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، والشَّعْرُ تَابعُ وشَبَّه ذلك بمَا لو كانت تحته امرأتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصَّغِيرة يبطل النِّكَاح، ويجب المَهْر (١) ولو قتلتها لا يجب المهر؛ لأن البضع تَابعٌ عند القتل غير مقصود، ولو امتشط لحيته فانتتفت شعيرات فعليه الفِدْيَة، وإن شَكَّ في أنه كان منسلاً فانفصل أو انتتفت بالمَشْط، فقد حكى الإمام وصاحب الكتاب في وجوب الفدية قولان، وقال الأكثرون: فيه وَجْهَان:

أحدهما: أنها تجب؛ لأن الأَصْلَ بقاؤه ثَابِتاً إلى وقت الامتشاط، ولأنه سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي حُصُولِ الإبانة، فيضاف إليه كما أن الإجهاض يضاف إلى الضرب.

وأصحهما: أنها لا تجب؛ لأن النتف لم يتحقق، والأصل بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ عَنِ الفِدْيَةِ.

قال الغزالي: وَيَكْمُلُ الدَّمُ في ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ، وَفِي الوَاحِدَةِ مُدٌّ في قَوْلٍ، ودَرْهَمٌ فِي قَوْلٍ، وَثُلْثُ دَمٍ في قَوْلٍ، وَدَمٌ كَامِلٌ في قَوْلٍ.

قال الرافعي: ستعرف في باب الدِّمَاءِ فدية الحَلْقِ، وأن إراقة الدِّمَاءِ إحدى خصالها، ولا يعتبر في وُجُوبِهَا تامة حلق جَمِيعِ الرَّأْسِ، ولا قلم جَمِيع الأظفار بالإجْمَاع، ولكن يكمل الدم في حَلْق ثلاثة شَعَرَات، وقلم ثَلاثةِ أَظْفَار مِنْ أظفَارِ اليَّدِ والرِّجْلِ، سواء كانت من طَرَفٍ وَاحِدٍ، أو من طرفين خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: لا يكمل الدّمُ حتى يَحْلِقَ ربع الرأْس، أو يقلم خَمْسَةَ أَظْفَار من طَرَفٍ وَاحِدٍ، ولمالك -رضي الله عنه- حيث قال: لا يكمل بحلق ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ، وإنما يكمل إذا حَلَقَ من رأسه القدر الذي يحصل به إماطة الأَذَى، ولأحمد -رحمه الله- حيث قدر في رواية بأربع شَعَرَات، والرواية الثانية عنه مثل مَذْهَبِنَا.

لنا أن المفسرين ذكروا في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (٢) أن المعنى فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ.


(١) ما ذكره من وجوب المهر هو قول مخرج، والصحيح المنصوص أن الواجب على المرضعة إنما هو نصف المسمى كما ذكره الشيخ في باب الرضاع.
(٢) سورة البقرة، الآية ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>