للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حلق ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ فقد حَلَقَ، وهذا إذا حَلَقَهَا دفعةً وَاحِدَةً في مكانٍ وَاحِدٍ، فإن فَرَّقَ زَمَاناً، أو مكاناً فسيأتي في النَّوْعِ السَّادِسِ حُكْمُه. وإن اقتصر على حلق شَعْرَةٍ وَاحِدةٍ أو شعرتين ففيه أقوال:

أظهرها: وهو الذي ذكره في أكثر كتبه أن في شعرة مداً من طَعَام، وفي شعرتين مُدَّيْن (١)؛ لأن تبعيضَ الدَّمِ عسر، والشَّرْعُ قد عدل الحيوان بالطَّعَام في جَزَاءِ الصَّيْد وغيره، والشَّعْرَةُ الوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَاية فِي القِلَّة، والمد أقل ما وجب في الكَفَّارَاتِ فقوبلت به.

والثاني: في شعرة دِرْهَم، وفي شعرتين دِرْهَمَيْنِ؛ لأن تبعيض الدَّمِ عَسِير، وكان الشَّاة تُقَوَّم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة دراهم تقريباً، فاعتبرت تلك القيمة عند الحَاجَةِ إلى التَّوْزِيعِ.

والثالث: رواه الحميدي عن الشَّافِعِي: في شَعْرَة ثُلُثُ دَمٍ، وفي شعرتين ثُلُثَا دَمٍ، تقسيطاً للواجب في الشَّعَرَاتِ الثَّلاَثِ على الآحاد، وقد ذكر أن هذا القول منقول في تَرْكِ الحَصَاةِ والحَصَاتين، فخرج هاهنا، وذكر في القَوْلِ الثَّانِي مِثْلُه.

الرابع: حكاه صاحب "التقريب" وغيره أن الشَّعْرةَ الوَاحِدَة تقابل بدَمٍ كَامِلٍ، وهو اختيار الأستاذ أبي طاهر، ووجهه بأن محظورات الإحرام لا تختلف بالقِلَّةِ والكثرة، كما


(١) اعلم أن هذه المسألة من المسائل المهمة المشكلة، وقل من تفطن لسرها. وذلك لأن من حلق أو قلم ثلاثة فصاعداً فإنه مخير بين إراقة دم وإخراج ثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام كما ستعرفه فهلا ذكروا التخيير في هذه المسألة؟ وكيف جازت الأقوال التي أشار إليها المصنف وصرح بها غيره؟. فنقول: قد تقرر أنه يتخير في إزالة الثلاث بين الخصال الثلاث التي ذكرناها، فإذا قلم ظفراً أو حلق شعرة، فإنه يتخير أيضاً بين الثلاثة المذكورة، فإن اختار الصيام صام يوماً واحداً جزماً، وإن اختار الطعام أخرج صاعاً جزماً أيضاً، وإن اختار الدم فهو محل الأقوال:
أحدها: يجب في ثلث الدم عملاً بالتقسيط، وهي أقيس الأقوال كما قاله القاضي الحسين والمتولي.
والثاني: يجب درهم؛ لأن تبعيض الدم تحقير، وكانت الشاة تقوم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة دراهم تقريباً، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع.
قال في شرح المهذب: وما قالوه من التقويم بالثلاثة مجرد دعرى لا أصل لها.
الثالث: وهو الأظهر كما قاله الرافعي. قال: ونص عليه الشافعي في أكثر كتبه أنه يجب مُدّ، لأن التبعيض فيه عسير كما تقدم، والشرع قد عدل الحيوان بالطعام في جزاه الصيد وغيره، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة، والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به، وما ذكرته في تصوير هذه المسألة رأيته لصاحب "البيان" في كتابه المسمى: "بالسؤال عما في المهذب من الإشكال" قاله في الخادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>