للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الطّيبِ واللِّبَاسِ، فإذا عرفت ما ذكرناه أعملت قوله: (في ثلاث شعرات) بالحاء والميم والألف، ولك أن تُعَلِّم الحكم في الأحوال الأربعة بالحاء؛ لأنه لا يوجب فيما دون الرُّبع شَيئاً مقدراً، وإنما يوجب صدقة، وأن تُعَلِّم قوله: (ودرهم في قول) بالواو؛ لأن من الأصحاب من لم يثبته قولاً للشافعي، وادعى أنه ذكره حكاية عن مذهب عطاء، والخلاف في الشَّعْرَة والشعرتين جَارٍ في الظُّفْرِ والظُّفْرَينِ.

ولو قلم دون القدر المعتاد كان كما لو قصر الشعر.

ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يأت على رأس الظهر فقد قال الإمام: إن قلنا: يَجِب في الظفر الواحد ثلث دم، أو درهم، فالواجب فيه ما يقتضيه الحِسَاب، وإن قلنا: يجب فيه مُدٌّ فلا سبيل إلى تبعيضه -والله أعلم-.

قال الغزالي: وَإِنْ حَلَقَ بِسَبَبِ الأَذَى جَازَ وَلَزِمَ الفِدْيَة، وَإِنْ نبَتَتْ شَعْرَةٌ في دَاخِلِ الجَفْنِ فلاَ فِدْيَةَ في نَتْفِهَا؛ لِأَنَّهُ مُؤذٍ بِنَفْسِهِ كَالصَّيْدِ الصَّائِلِ، وَالنِّسْيَانُ لاَ يَكُونُ عُذْراً فِي الحَلْقِ وَالإتْلافاتِ عَلَى أَظْهَرِ القَوْلَيْن.

قال الرافعي: مقصود الفصل حكم المَعْذُورِ في الحَلْق، والذي سبق كان مع غير المَعْذُورِ، ونعم صور العذر أنه لا يأتم بالحَلْقِ، وفي الفِدْيَة صور:

إحداها: لو كثرت الهَوَامْ في رَأسِهِ، أو كانت به جراحة وأحوجه إذا هام إلى الحلق فله ذلك، وعليه الفدية. كان كَعبُ بْنُ عجرَة يوقد تحت قدره، والهوام تنتثر من رأسه فمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَاحْلِقْ وَانْسُكْ بِدَمٍ أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّق بفَرَقٍ مِنَ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ" (١) والفَرَقُ: ثلاثة آَصع، وكذا الحكم لو كَانَ كثيرَ الشَّعْرِ، وكان يتأذى بالحَرِّ.

الثانية: لو نبتت شعرة، أو شعرات في دَاخِلِ الْجِفْنِ، وكان يتأذى بِهَا فله قَلْعُهَا، ولا فدية عليه؛ لأن التأذي هاهنا من نفس الشعر فهي كالصَّيْدِ الصَّائلِ على المُحْرِمِ بخلاف الصُّورة الأُولَى.

وعن الشَّيْخُ أَبِي عَلِيِّ طريقة أخرى في المسألة، وهي تخريج الضَّمَان على وجهين بناء على القولين فيما إذا عمت الجراد المَسَالك، واضطر إلى وطئها وإتْلاَفِهَا.

ولو طال شَعْرُ حَاجِبِهِ ورأْسه وَغَطَّى عَيْنَه قطع القدر المُغَطّي، ولا فدية عليه.


(١) أخرجه البخاري (١٨١٤، ١٨١٥، ١٨١٦، ١٨١٧، ١٨١٨، ٤١٥٩، ٤١٩٠، ٤١٩١، ٤٥١٧، ٥٦٦٥، ٥٧٠٠٣، ٦٧٠٨) ومسلم (١٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>