للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقْتٍ واحدٍ؛ لما فيه من اختلاف الرأْيِ وتفرُّق الشمْل، وحكَى أبو القاسم (١) الأنصاري في "الغُنْيَة" (٢) عن الأستاذ أبي إسحاق: أنه يجوز نصب إمامين في إقلَيميْن؛ لأنه قد يَحْدُث في أحد الإقليمين ما يحتاج إلى نَظَرِ الإمامِ، ويفوت (٣) المقصود بسبب البُعْد، ويُنْسَب هذا إلى اختيار الإِمام، والمشهورُ الأوَّلُ، فإنْ عُقِدَت البيعةُ لرجلين معاً، فالبيعتان باطلتان، وإن ترتَّبنا، فالثانية باطلةٌ، ويُنْظَر؛ إن جَهِلَ الثانِي ومَنْ بايَعَهُ تقدُّم بَيعَةٍ، لم يُعزَّروا، وإلا فيعزَّرون، وما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذَا بُويعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" (٤) فعن الخطابيِّ: أن المعنى لا تُطِيعوه، ولا تَقْبَلُوا له قولاً، فيكون كمن مات أو قُتِلَ، وقيل: المعنى أنه، إنْ أصر ولم يُبَايع الأول، فهو باغ، يُقَاتَلُ، ولو عُرِفَ سبقُ أحدهما، ولم يتعيَّن أو لم يُعْلَم أَوْقَعَتَا معاً أم على التعاقُب، فليكن كما ذكَرْنا في الجُمُعَتَيْن والنِّكَاحَيْن، ولو سَبَقَتْ إحداهما على التعْيِين، وأشبهتِ السابقةُ، وقف الأمر إلى أن ينكشفَ الحال، فإن طالَتِ المدَّة، ولم يُمْكنْ الانتظارُ، فقد ذكر القاضي الماوَرْدِيُّ أنه تبطل البيعتان، وتستأنف بيعة لأحدهما؛ وفي جواز العُدُول إلى غيرهما خلافٌ، وذكر أنه لو ادَّعَى كلُّ واحد منهما أنه الأسبق، لم تسمع الدعوَى، ولم يحلف الآخر (٥)؛ لأن الحقَّ يتعلَّق بجميع المسلمين، وأنه لو قطعا التنازع، وسلَّم أحدهما الأمْرَ للآخر، لم تستقر الإمامة له، بل لا بُدَّ من بينة يشهد [بتقدم] (٦) بيعته، وأنه لو أقر أحدهما للآخر بتَقدُّم بيعته، خرج منها المقِرُّ، ولا بد من البينة؛ ليستقر الأمر للآخر، فإن شَهِدَ له المقِرُّ مع آخَرَ، قُبِلَتْ شهادته، إن كان يدَّعي اشتباه الأمر قبْل الإقرار، وإن كان يدَّعِي التَّقدُّم، لم يُسْمع؛ لما في القولَيْن من التكاذب.

وإذا ثبتت الإمامةُ بالقَهْر والغَلَبة، ثم جاء آخر فَقَهره، انعزل، وصار القاهرُ إماماً.

ولا يجوز خلع [الإِمام] (٧) بلا سبب، ولو خلعوه، لم يَنْفُذْ؛ لأن الآراء تتغيَّر، ولو نفَّذناه، لم نأمَنْ تكرُّر التولية والعزل، وفي ذلك سقوط الدفع (٨) والهيبة، ولو عزل الإمامُ نفْسَه، نُظِرَ؛ إن عزل [نفسه] (٩) لعَجْزه عن القيام بأمور المسلمين مِنْ هَرَم أو


(١) في أ: الأقسام.
(٢) في ز: العينة.
(٣) في ز: وتفرق.
(٤) رواه مسلم عن أبي سعيد.
(٥) في ز: للأمر.
(٦) في أ: بتقديم.
(٧) سقط في ز.
(٨) في أ: الوقع.
(٩) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>