للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَضٍ، انعزل ثم إن وَلَّى غيره قَبْل أن يَعْزِل نفسه، انعقدت الإمامة لِمَنْ ولاه، وإلا، بايع الناسُ غيره، وإن عزل نفْسَه من غير عُذْر، فقد أطْلَق في "التتمة" وجهَيْن: في انعزاله:

أحدهما: ينعزل، ولا يُكَلَّف أن يترك مصلحة نفسه محافظةً على مصلحة غيره، فقد يبغي قلَّةُ الشغل في الدُّنْيَا والحسابَ في الآخرة، وصار كما لو لم يُجِبْ إلى المبايعة ابتداءً.

والثاني: المنْعُ؛ لما رُوِيَ أن أبا بكْر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "أَقِيلُونِي"، ولو تمَكَّن مِنْ عزل نفسه، لمَا طَلَب منهم (١) الإقَالة، وهذا الوجه الثاني هو الذي أورده صاحب "البيان" وغيره وفصْلُ في "التهذيب": فقال: إن لم يظهر عذْرٌ، فعزل (٢) نفسه، ولم يُوَلِّ غيره، لم يَنْعَزِل، وكذا، لو وَلَّى مَنْ هو دونه، وإنْ ولَّى مَنْ هو مثله أو أفضلُ، ففي الانعزال الوجهان، وفي "التتمة" أن للإمام وأن يَعْزِل وليَّ العَهْد؛ لأن الخلافة لم تنتقل إلَيْه، فلا يخشى من تبديله الفسادَ والفتنةَ، والذي ذكره الماوَرْدِيُّ: أنه ليس له عزْلُه ما لم يتغيَّر حالُه، وإن جاز له عزل مِنَ استنابه في أشغاله في الحال؛ لأنه يستنيبهم لنفْسه، واستخلافُ وليِّ العهد يتعلَّق بالمسلمين عامَّةً، فصار كأهل البيعة يبايِعُون ولا يَعْزِلُون مَنْ بايعوه.

وأما الانعزالُ، فقَدْ سبق في "باب الوصاية": أن الإِمام لا ينعزل بالفِسْق على الأظْهَر، ولا ينعزل بالإغماء؛ لأنه متوقَّع الزوال، وينعزل بالمَرَض الذي يُنْسيه العُلُومِ، وبالجنون (٣)، لكن قال القاضي الماوَرْديُّ: لو كان الجنونُ منقطعاً، وكان زمان الإفاقة أكثرَ، ويمكن فيه من القيام بالأمور فلا ينعزل، وينعزل بالعَمَى والصَّمَم والخَرَس، ولا ينعزل بِثِقَلِ السمْع، وتمتمة اللِّسان، وذكر خلافٌ في أنهما هل يمنعان ابتداءَ التولية، وفي أنْ قطع إحدى اليدين أو الرِّجلَيْن، هل يؤثر في الدوام، والأشبه المنع، والله أعلم.

وإذا (٤) تقررَّت المقدمتان، ففي الباب نَظَران: نظر في صفات أهْلِ البَغْي، ونَظَرٌ في أحكامهم فلنخض (٥) فيهما.

قال الْغَزَالِيُّ: أَمَّا الصِّفَةُ فَكُلُّ فِرْقَةٍ خَالَفَتِ الإِمَامِ بِتَأْوِيلِ وَلَهَا شَوْكَةٌ يُمْكِنْهَا مُقَاوَمَةُ


(١) في ز: منه.
(٢) في أ: لعزل.
(٣) في ز: والجنون.
(٤) سقط في ز.
(٥) في أ: فلخص.

<<  <  ج: ص:  >  >>