للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِمَامِ فَهِيَ بَاغِيَةٌ، وَأَمَّا المُرْتَدْ وَمَانِعُو الزَّكَاةِ وَسَائِر حُقُوقِ الشَّرْعِ فَلاَ تَأْوِيلُ لَهْمْ، وَكُلُّ تَأْوِيلٍ يُعْلَمُ بُطْلاَنُهُ بِالظَّنِّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ كَانَ بُطْلاَنُهُ قَطْعِيّاً وَلَكِنَّهْمْ غَلِطُوا فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَذَا تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ مُبْطِلاً ظَنّاً أَوْ قَطْعاً، وَأَمَّا الخَوَارجُ إِنْ لَمْ نُكَفِّرْفهْم لَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى تَأْوِيلِهِمْ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِظُهْورِ فَسَادِهِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ إذْ بِهِ الشَّوْكَةُ، وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكونَ بِصِفَاته الأَئِمَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الذين يخالفون الإمامَ بالخُروج عليه وترك الانقياد والامتناع مِنْ توفية ما يتوجَّه (١) عليهم من الحقُوقِ، ينقسمون إلى أهل البَغْي وغَيْرِهِمْ، ولكِلِّ واحد من الفريقين أحكام خاصَّة، فَنَصِفُ أهل البغيِ بما يتميَّزون (٢) به عن سائر المخالفين وإذَا خَضْنَا في أحكام البغاة ذكرنا مع أحكامهم غيرهم من المخالِفِينَ ...

أما أهل البغي فيعتبر فيهم صفتان:

إحداهما: أن يكون لهم تأويلٌ يعتقدون بسببه جوازَ الخُرُوج على الإِمام أو منْع الحق المتوَجَّه عليهم، قال المتولِّي: وإنما (٣) اعتُبِرت هذه الصفة؛ لأن مَنْ خالف من غَيْر تأويل، كان معانداً، ومَنْ تمسك (٤) بالتأويل؛ يَطْلُب الحق على اعتقاده، فلا يكون معانداً، فيثبت له نوع حرمةٍ بسُقُوط الضمان وغيره، ومَثَّلَ التأويلَ الحامل على مخالفة الإِمام والخُرُوج عليه بما وقع للذين خَرَجوا عَلَى عليّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- وكرم الله وجهه حيث اعتقدوا أَنَّه يَعْرِف قتلَةَ عثْمَان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ويقدر عليْهِم، ولا يقتصُّ منهم لرضاه بقتله، ومواطأته إياهم، ومثل غيره التأويل الحامل على منع الحق بما وقع لبعض مانِعِي الزَّكَاة من أبي بكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حيث قالوا: أمرنا بدَفْع الزكاة إلى مَنْ صلاَتُهُ سَكَنٌ لنا، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما قال تعالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (٥) [التوبة: ١٠٣] الآية. وصلاةُ غيره ليست (٦) سَكَناً لنا، فلو خرَجَ قوْمٌ عن طاعة الإِمام، ومنَعُوا (٧) حقاً توجَّه بلا تأويل، سواءٌ كان حدّاً أو قصاصاً أو حقّاً ماليّاً لله تعالى أو للآدمَيِّين عناداً أو مكابَرةً، ولم يتعلَّقوا بتأويل، فليْسَ لهم أحكامُ البغاةِ، وكذلك (٨) المرتدون الخارجون عن الدين،


(١) في ز: يحب.
(٢) في أ: يمتازون.
(٣) في ز: وإذا.
(٤) في ز: يتمسك.
(٥) سقط في ز.
(٦) في ز: ليس ممكناً.
(٧) في ز: ومنعنا.
(٨) قال الشيخ جلال الدين البلقيني: قوله: "وكذا المرتدون" أنه أراد به بلا شوكة فهذا ظاهر وإن أراد مع الشوكة فسيأتي أن في ضمانهم للمتلفات القولين في البغاة. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>