للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأطلق آخرون ثلاثة أوجه في المسألة، منهم القاضي ابن كج وإمام الحرمين.

أحدها: أن الانفراد أفضل على الإطلاق.

والثاني: أن الجماعة أفضل.

والثالث: إن كان حافظاً للقرآن آمِناً من الكل ولم تختل الجماعة لتخلفه، فالأفضل أن ينفرد، وإلا فلا، ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة، وإنما يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، كما ذكرنا في الوتر.

قال الغزالي: ثُمَّ التَّطَوُّعَاتُ لاَ حَصْرَ لَهَا، فَإِنْ تَحَرَّمَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا عَشْراً فَصَاعِداً، وَإِنْ تَحَرَّمَ بِعَشْرِ جَازَ لَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إِنْ شَاءَ، وَالأَحَبُّ مَثْنًى مَثْنًى.

قال الرافعي: التطوعات التي لا تتعلق بسبب، ولا وقت، لا حصر لأعدادها، ولا الركعات الواحدة منها. "وَالصَّلاَةُ خَيْرُ مَوْضُوع، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ"، هذا لفظ الخبر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١)، ثم إذا شرع في تطوع فإن لم ينو شيئاً، فله أن يسلم من ركعة، وله أن يسلم من ركعتين فصاعداً، روي أن عمر - رضي الله عنه- "مَرَّ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَةً، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا صَلَّيْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ: إِنَّمَا هِي تَطَوُّعٌ، وَمَنْ شَاءَ زَادَ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ" (٢).

وحكى الأصحاب عن نصفه في "الإملاء": أنه لو صلَّى من غير إحصاءٍ، ثم سلم وهو لا يدري كما صلى أجزأه.

وقال بعض السلف الذي صليت له يعلم كم صليت؟ وإن نوى ركعة، أو عدداً قليلاً، أو كثيراً، فله ذلك، هذا هو المشهور، وحكي في "البيان" عن المسعودي: أن له أن يصلي ثلاث عشرة ركعة بتسليمة واحدة، وهل له أن يزيد؟ فيه وجهان؛ ثم إذا نوى عددًا فله أن يزيد وله أن ينقص حتى لو تحرم بركعة، فله أن يجعلها عشرة فصاعداً، أو بعشرٍ فله أن يقتصر على واحدة ولكن بشرط أن يغير النية قبل الزيادة والنقصان، فلو زاد أو نقص قبل تغيير النية بطلت صلاته.

مثاله: نوى أن يصلي ركعتين ثم قام إلى الثالثة بعد ما نوى الزِّيادة جاز، ولو قام قبلها عمداً بطلت صلاته، ولو قام سهواً عاد، وسجد للسهو وسلم، فلو بدا له بعد


(١) أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (٩٤)، والحاكم من رواية أبي ذر في المستدرك (٢/ ٥٩٧) من حديث طويل.
(٢) أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف (٣/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>