للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمال (١) الديةِ، كضعف البطْش، والبَصَر، وسائر القُوَى، وعلى هذا، فلو أبطل بعضَ حروفه، فالتوزيع على ما يحسنه، لا عَلَى جميع الحروف.

والثاني: أنه لا يجبُ إلاَّ قسطُها من جميع الحروف؛ لأنَّ النطق مقدَّر بالحروف بخلاف البطش، وما لا يقدَّر بمثل ذلك، وعلى هذا، فالتوزيعُ عَلَى جميع الحروف، لا على ما يحسنها خاصَّة، وهذا ما أورده صاحب "التتمة"، وإذا قلنا بهذا الوجه الثاني، فلو كان الشخْصُ ممَّن يَقْدِرَ على التعبير عن جميع مقاصِدِهِ، لفطنته واستمداده من اللُّغة وتهدِّيه إلى مناظِمِ الكلامِ، فهل تكملُ الدية؟ فيه وجهان:

أظهرهما: لا؛ لأن اقتداره للحَذَق ومعرفة اللغةِ، لا لمعنى في الكلام، هذا إذا كان ما به مِنَ النقصانِ خلقيّاً أوحادثاً بآفة سماوية، فأما إذا حدث بجناية جانٍ، ففيه خلافٌ مرتَّب، والظاهر أنه لا تكمل (٢) الديةُ، كيلا تتضاعف الغرامةُ في القَدْر الذي أبطله الجانِي الأوَّل، وهذا ما أورده الإِمام، وتكلَّم ههنا في نقصان سائر المنافع وفي نقصان الأجْرَامِ أيضًا، أما سائرُ المنافعِ (٣)، التي لا تتقدَّر تقدَّر النطق بالحروف؛ كالبطش والبَصَر، فإن كان النقصانُ فيها بآفةٍ، فلا اعتبار به، ويجب عَلَى من أبطلها الديةُ الكاملةُ، وكذلك مَنْ قَطَع العضْوَ الذي هو محلُّ تلك المنفعة؛ وذلك لأنه لا ينضبطُ لضعفها وقوَّتها، ويختلفان بالأعراض والأمراض، وتَتَبُّعُ مقاديرها يَعْسُر أو يتعذَّر، وإن كان النقصان بجنايةٍ، فإنَّ فيه احتمالاتٍ متلقاةٌ من كلام المشايخِ، ولا بأس، لو نقلنا وجوهًا (٤):

أحدُها: أنَّ الجوابَ كذلك، والثَّاني، وهو الذي رجَّح أنَّه لا تكملُ الدية، بل يحط (٥) قدْرُ الحكومة الَّتي غرمها الأول عن مبطلِ المنفعةِ، وقاطع العضو جميعًا تحرُّزاً عن تضْعِيفِ الغرامةِ.

وثالُثها: أنه لا يحطُّ عن قاطع الجرم، ويحطُّ عن مبطلِ المنفعة الناقصة؛ لتناسب جنايته مع جناية الأول، وأما الأجرامُ، فإما أنْ يكون لِما نَقَص أرشٌ مقدَّرٍ أو لا يكون، إنْ كان له أرشٌ مقدَّر، فالواجب على الثاني الديةُ مخطُوطاً عنها أرشُ ما نقص، سواءٌ حصل النقصان بآفة أو جنايةٍ (٦)؛ حتى لو سقطتْ أنملةٌ من أنامله بآفة، ثم قطع اليد


(١) سقط في ز.
(٢) وهو يقتضي حكاية طريقين ولم يصرح به المصنف لكنهما تخريج من كلامه فإنه قال ففيه خلاف مرتب والظاهر أنه لا يكمل. انتهى. فيخرج من الترتيب طريقة قاطعة بعدم التكميل.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: يحيط.
(٦) في أ: بجناية.

<<  <  ج: ص:  >  >>