للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُلاَعِنْ لَحِقَه الوَلَد، ولم يُحَدَّ للقذف، وقال الأكثرون: إن لم يعيِّن الواطئ بالشبهة أو عيَّنه فلم يصدقه، فالولد ملحَقٌ بالنكاح، وله نفيه باللعان، وإن صدَّقه، وادَّعَى الولد، عُرِضَ على القَائِفِ، فإن ألحقه بذلك المعيَّن (١) فهو ولده، ولا حاجة إلى اللعان، وإلا فيَلْحَق بالزوج، وليس له نفْيُه باللَّعَان؛ لأنه كان له طريق آخر ينقطع به النَّسَب؛ وهو أن يلحقه القائف بذلك المُعَيَّن إذا عرض عليه، وإنَّمَا ينفي النَّسَب باللعان، إذا لم يَكُنْ للانتفاء (٢) طريقٌ آخر؛ ولذلك قلنا: لا يُنْفَى ولد الأمة باللِّعَان؛ لأنَّه يمكن منه بطريق آخر، وهو دَعْوى الاستبراء، فحصلَتْ طريقتان، والأولى هي التي أوْرَدَها في الكتاب، والثَّانية أَوْلَى بالاعتماد فإن لم يكن قائف، تُرِك، حتى يَبْلغ الصبي، فينتسب إلى أحدهما، فإن انتسب إلى ذلك المعيَّن، انقطع نسبه عن الزوج بلا لِعَانٍ، وإن انتسب إلى الزَّوْج، فله اللِّعان؛ لأنَّ نفْسَه بغير اللعان لا يُمْكِنُ، هكذا أورد صاحب "التهذيب" وغيره، ولك أن تقول: إن كان النظر إلى آخر الأمر ووقت انقطاع الطَّمَع عن انتفاء النسب بطريق آخر، فهذا المعنى حاصلٌ فيما إذا ألحقه القَائِف بالزوج، فليجز (٣) اللعان، وإن كان النَّظَر إلى الابتداء، وتُوقِّع الانتفاء بطريق آخر، فهذا المعنى حاصلٌ فيما إذا توقفنا إلى بلوغه وانتسابه، فلْيَمْتَنِع اللعان إذا انتسب إلى الزوج، ولو قال: زنَيْتِ بفلان، وفلانٌ غَيْر زانٍ بكِ، بل كان يظُنُّكِ زوجَتَه، فهو قاذِفٌ لها، وله أن يلاعن لإسقاط الحَدِّ والولدُ المنسوبُ إلى ذلك الواطئ منسوبٌ إلى وطء الشبهة، فإن صدَّقه فلانٌ، عُرِضَ على القَائِفِ، كما ذكرنا ولو اقتصر على قوله "ليس هذا الولد منِّي" فعن صاحب "التقريب" حكاية تردُّد في أنه هل يلاعن؟ وهذه الصورة أوْلَى بجواز اللعان، إذا أُضيفَتْ إلى صورة الشبهة؛ لأنَّه كما يحتمل الجهة التي يثبت فيها النَّسَب يحتمل جهة الزِّنَا، والذي أجابه به المُعْظَم أنه لا يُلْتَفَت إلى ذلك، ويُلْحق الولد بالفراش، إلا أن يُسند (٤) النَّفْيُ إلى سبب معيَّن، ويلاعن، ويجوز إعلام لفظ الوجهين من الكتاب في الصور الثلاث بالواو؛ للطُّرق القاطعة.

المسألة الثانية: لا يشترط لجواز اللعان أن يقول عند القذف: رأيتها تَزْنِي، بل لو قال زنَيْتِ أو يا زَانِيَةُ أو قال، وهي غائبة: فلانةٌ زانيةٌ، ولم يتعرَّض للرؤية، جاز اللعان، وكذلك لا يُشْتَرط أن يدعي أنه استبرأها بعد الوطء بحيضة، وعن مالك -رحمه الله- أنه خالف في المسألتين.

لنا إطلاق آية اللِّعان، وأيضًا فاللعان حجَّةٌ يخرج بها عن موجب القذف المفيد، فكذلك عن مُوجِب القَذْف المُطلَق كالبينة، وذكر الأصحاب -رحمهم الله- أنه لو أقر


(١) في ز: المعنى.
(٢) في ز: للانتفاء.
(٣) في أ: فلنجز.
(٤) في أ: يستند.

<<  <  ج: ص:  >  >>