للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن جعلْناه أصلاً، فلا بد من تسميته، ويشهد للتبعية أنَّه يكْفي طلَبُها لِلِّعان، ولا يشترط موافقته، ولو امتنع الزوج من اللعان، ولا بيِّنة له، فَحُدَّ بطلبها، ثم جاء المرمي به يطلب الحد، فإن قُلْنا: الواجب حَدٌّ واحدٌ، فقد استوفى، وإن قلنا: حدان، اسْتُوفِيَ حَدٌّ آخَرُ، وله إسقاطه باللعان، ولو ابتدأ المرميّ به بطلب حقِّه، ولم تَطْلُبْ هي، فهل يلاعن له؟ حكى أبو الفرج السرخسيُّ فيه وجهَيْن، وقد يبنيان على أن حقَّه يثبت (١) أصلاً أو تابعًا، وإن عفا المرميُّ به عن حقِّه، فله المطالبة، وإن عَفَتْ هي، فكَذَلك للأجنبي المطالبة سواءٌ قلْنا: الواجب حدٌّ أو حدان؛ لأن الحدَّ لا يتبعَّض؛ ولذلك قلْنا: إن الأصحَّ أنه إذا عَفَا بعْضُ ورثة، المقذوف كان للآخرين استيفاءُ الحَدِّ بتمامه، وله أن يلاعن لإسقاطه، وعن ابن القطَّّان: أنا إذا قُلْنا: إنَّ حقَّه تابعٌ، فلا حَدَّ، ولا لعان، والظاهر الأول، وبمثله أجاب ابن الصَّبَّاغ؛ فيما لو لم يذكر المرميَّ به في اللعان، وقلْنا: إنَّه لا يَسْقُطُ حقُّه، فطالب بموجب القذف، وامتنع الزَّوْج من إعادة اللِّعان، قال: يُحَدُّ سواءٌ قلْنا: يجب حدٌّ واحد لهما أو حدَّان؛ لأنَّ الحدَّ لا يتبعَّض، ولا يجب باللعان حدُّ الزنا على الرَّجُل المرميِّ به بحال، وإذا لاعن لإسقاط حَدِّ المرمي به، قال في "التهذيب" قد قيل: إنه تتأبد الحرمة، وخلافه محتمل.

وقوله في الكتاب "لأن اللعان حجَّةٌ على الجملة، وإن كانت قاصرةً" يجوز أن يجعل إشارة إلى توجيه القولين، كأنه قال: في قول يسقط؛ لأن اللعان حجَّةٌ فيسقط حقُّهما جميعًا، كالبينة، وفي الثاني؛ لقُصور أثر اللعان على الزَّوْجة، ولذلك لا يلاعِنُ في قذف الأجنبيِّ، ويجوز أن يُجْعَل بتمامه علَّةً للسقوط والله أعلم.

المسألة الثانية: إذا قَذَف امرأته عنْد الحاكم بمعيَّن أو قذف أجنبيّ أجنبيًّا، والمقذوف غائبٌ، فهل يَبْعث إليه الحاكم ويُخْبره بالحال؟ نقل ناقلون أنَّه يبعث ويُخْبِره، ثم اقتصر بعْضُهم على الاستحباب، منْهم الشيخ أبو حَامِدٍ، وذكر أكثرهم: أنه يجب عليه ذلك، ونقل أبو الفرج السرخسي أن الشَّافعيَّ -رضي الله عنه- نَصَّ عليه، وأنَّه نصَّ فيما إذا أقرَّ عنده مُقِرٌ لآخر بَديْنٍ لا يجب عليه إخبار المُقر له، وأن للأصحاب فيه ثلاثةُ طُرُقٍ:

أحدها: تنزيل النصَّيْن على حالَيْن، إن كان الذي يتعلَّق به الحَقُّ حاضرًا عالمًا بالحال، فلا حاجة إلى إخباره في النوعين، وإن كان غائبًا أو عاقلاً عما جَرَى، وجَبَ إخْباره؛ يضيع حقُّه.

والثاني: الفَرْق بين الحَدِّ والمال، بأن الحد يستوفيه الإِمام، ويتعلَّق به، فيختبره


(١) في ز: مثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>