للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنا (١) نحدُّه بالإقرار، [وقد] بطل بالرجوع.

قال الغَزَالِيُّ: وَلوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى زِنَاهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عَلَى أنَّهَا عَذْرَاءُ سَقَطَ الحَدُّ (م)، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ زَنَى وَعَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ زَاوِيَةً مِنَ البَيْتِ فَلاَ حَدَّ إذْ لَمْ يَتَّفِقوا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً وَاثْنَانِ عَلَى أنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الحَدُّ، وَفِي وُجُوِبهِ عَلَى الرَّجُلِ خِلاَفٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الكلامُ في عدد شُهُود الزِّنَا وفي رجوع بعضهم أو كلِّهم عن الشهادة مُؤَخَّرٌ إلى "كتاب الشهادات"، وهناك يذكر كيفية الشهادةِ، أنه لا بُدَّ من تفسير الزنا بخلاف ما لو قَذَفَ إنَسَاناً، فقال: زنيتُ، يجب الحدُّ، كان لم يُفَصِّل للحوق العار، وهل يُشْترط في الإقرار بالزنا التفسير كما في الشهادة، أو لا يُشْترط كما في القذْف؟ فيه وجهان. ولا فَرْق بين أن يشْهَد شهودُ الزنا في مجْلِسٍ واحِدٍ، أو في مجالس متفرِّقة، وقال أبو حنيفة: إن شهدوا في مجَالِسَ متفرِّقةٍ، لم تُقْبل، وعليهم حدُّ القذف، والاعتبار بمجْلس القاضي، طال أم قصر.

لنا: أن شهادتهم مقبولةٌ عند إلاجتماع، فكذا عند التفرُّق، كما في سائر الوقَائع؛ على أنهم إذا جَاءُوا متفرقين، كانوا أبعد عن التهمة، فتكون شهادتهم أولَى بالقبول، ولو شهد الشهود، ثم غابوا، أو ماتُوا، فللحاكم أن يحكم بشهادتهم، ويقيم الحدَّ خلافاً لأبي حنيفة، وتُقْبل الشهادةُ على الزنا بعْد تطاول الزمن خلافاً لأبي حنيفةَ، ويُرْوَى عنه


(١) قال الأذرعي: قوة كلامه يفهم أنه لو تقدمت البينة أنه لا أثر للرجوع. وقال الدارمي: إذا شهدوا عليه بالزنا ثم أقر ورجع. قال المروزي: يقبل. وقال ابن القطان: قال غيره لا يقبل وكذا نقلهما الماوردي في الصورتين. ثم قال: الأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين اعتبار أسبقهما سواء كان هو الإقرار أو البينة، وترتب على السابق حكمه دون اللاحق. انتهى وفي أشراف أبي سعيد الهروي وغيره أنه لو أقر المشهود عليه قبل الحكم فالقول مستند إلى الإقرار دون الشهادة. وحكى الفوراني وجهاً في المناظرة أنه مستند إليهما جميعاً وليس بمذهب.
قال -أعني صاحب القوت: وسيأتي في الدعاوى ما يقتضي إسناده إلى الشهادة فقط، وتفصيل الماوردي هو المختار وسقوط الحد بعد ثبوت الزنا بالبينة وبالرجوع عن الإقرار اللاحق من بعد بعيد مؤد إلى سد الباب ولا خفاء أن محل الوجهين فيما قبل الحكم بالبينة. ولم أره نصاً. انتهى.
وقال الشيخ جلال الدين البلقيني بعد ذكره كلام الروضة: لو انعكس التصوير فقامت البينة ثم قال: فهل يقبل رجوعه يعني على أن الحكم في هذه الصورة عند عدم الرجوع يستند إلى الشهادة والإقرار جميعاً أم إلى الإقرار دون الشهادة، وفيه وجهان حكلاهما النووي عن أبي سعيد الهروي. قال: والصحيح منهما الثاني والأول حكاه الفوراني في المناظرة، وقضيته أنا إذا قلنا: يستند إلى الإقرار وهو الصحيح صح رجوعه وإلا فلا، ولكن قد يتوقف في ذلك من جهة أن البينة لا رجوع فيها، وقد أقيمت في وقت إقامتها وهو الإنكار فلا سبيل إلى إبطالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>