تحديد التطَاوُل بسنة. إذا عُرِفَ ذلك ففي الفصْل صُوَرٌ:
إحداها: إذا شهد أربعةٌ على امرأة بالزنا، وشهد أربع نسوة على أنها عذراء، لا يجب عليها حدُّ الزنا، لشبهة بقاء العذرة خلافاً لمالك، ولو قذفها قاذفٌ، لم يلزمه الحد؛ لقيام الشهادة على الزنا، واحتمال أنه زالَتِ العذرة، ثم عادتْ لترك المبالغة في الافتضاض، وكذلك لا يجب حد القذف على الشُّهود، ولو أقامت هي أربعةٌ على أنه أكرهها (١) على الزنا، وطلبَتِ المهرَ، وشهد أربعُ نسوة عَلَى أنها عذراء، فلا حد عليه للشبهة، وعليه المهْرُ؛ لأنه يثبت مع الشبهة، ولا يجب عليها حدُّ القذْف بشهادة الشُّهود، ولو شهد اثنان على أنَّه وطئها بشبهة، [وشهد] أربع نسوة على أنَّها عذراءُ، فكذلك يجب المهر [ولا حد عليه للشبهة] قال القاضي ابن كج: ولو شهد على امرأة أربعةٌ بالزنا، وشهد أربع نسوة على أنها رَتْقَاء، فليس عليها حدُّ الزنا، ولا عليهم حدُّ القذف؛ لأنهم رَموْا بالزنا مَنْ لا يتأتى منه الزنا.
الثانية: لو شهد أربعةٌ بالزنا، وعيّن كلُّ واحدٍ منْهم زاويةً منْ زوايا البيت، لم يجب الحدُّ على المشهود عليه؛ لأنهم لم يتَّفقوا على زَنْيةٍ واحدة، فأشبه ما إذا قال بعضُهم: زَنَى بالغداة، وبعضُهم: زَنَى بالعشيِّ، وقال أبو حنيفة "يجب الحدُّ عليه"، وسلم أنه لو شهد اثنان على أنَّه زنَى بها بالبصرة، واثنان على أنه زنا بها بالكوفة، أو اثنان على أنه زَنَى بها في هذا البيت، واثنان على أنه زَنَى بها في بيتٍ آخر، لا يجب الحد، وهل يجب حدُّ القذف على الشهود؟ فيه خلاف سيأْتي؛ لأنه لم يتم عدد الشهود على زنيَّة واحدة، وعند أبي حنيفة: لا يُحدُّ الشهودُ هاهنا مع مصيره إلى أن الشهود، إن نقص عددهم، يُحَدُّون.
الثالثة: إذا شهد اثنان على أن فلاناً أَكْرَهَ فلانةً على الزنا، لم يثبت الزنا، وهل يثبت المهر؟ يُبْنَى على أنه، إذا شهد على الزنا أقلُّ من أربعة، هل عليهم حد القذف؟ وفيه خلاف سيأتي، فإن قلنا: لا يجب، يثبت المهر وإلا فلا، ولو شهد أربعةٌ على رجُلٍ أنه زَنَى بفلانة، وذكر اثنان منهم أنها كانَتْ مكرهة واثنان أنها كانتْ مطاوِعةً، فلا حدَّ على المرأة؛ لأنه لم يتمَّ شهودُ زناها، وهل يجب على الرجُلِ؟ يُبْنَى على أن شاهدي الطواعية، هل عليهما حد القذْف للمرأة؟ وفيه قولان؛ لنقصان العَدَد، فإن قلْنا: يجب [الحد] عليهما، وهو الأظهر، لم يجب حد الزنا على الرجُل، لخروج قولهما عن أن يكون شهادةً، وإن قلْنا: لا يجب عليهما حدُّ القذف، ففي وجوب حد الزنا على الرجل وجهان، حكاهما الإِمام: