للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه إذا حَضَرَ عند القَاضِي رَجُلٌ وامْرَأَةٌ، واسْتَدْعَتْ تَزْوِيجَهَا من الرجل، وذكرت: أنها زَوْجَةُ فلان، وطَلَّقَهَا، أو مات عنها، فلا يُزَوِّجُهَا القاضي ما لم تَقُمْ حُجَّةٌ على الطَّلاَقِ، أو الموت؛ لأنها أَقَرَّتْ بالنكاح لفلان.

وعن ابن القَاصِّ: أن من أَنْكَرَ الحَلِفَ بالطَّلقات الثَّلاَث، يحلف أنه ما قَالَ لها: إن دَخَلْتِ الدَّارَ، فأَنْتِ طَالِقٌ ثلاثاً. ولا هي بَائِنٌ منه بثلاث.

[وعن الشيخ أبي زَيْدٍ: أنه يكفيه الاقْتِصَارُ على أنها لم تَبِنْ بثلاث]. ووجه الأول؛ بأنه قد يَحْلِفُ متأوّلاً على قول حَجَّاحِ بن أَرْطَأَةَ، ومن تَابَعَهُ -رحمهم الله-: أن الطلقات الثلاث لا تَقَعُ مَجْمُوعَةً، أو على قول من يُصَحِّحُ اليَمِينَ الدائرة. فتسدد عليه ليعرض للحادثة. ويجوز أن يُقَالَ: يُنْظَرُ إلى جَوَابهِ إذا ادعت الطَّلاَقَ؛ فإن قال: لم تَبِنْ مني، كَفَاهُ اليَمِينُ عليه. لكان قال: لم أَحْلِفْ بِطَلاَقِهَا، حلف عليه.

حكى القاضي أبو سَعْدٍ عن العبادي: أن من ادّعى عليه وديعة فقال: لا يَلْزَمُنِي دَفْعُ شَيْءٍ إليه، لم يكن هذا جَوَاباً؛ لأن المُودِعَ لا يلزمه الدَّفْعُ، وإنما عليه التَّخْلِيَةُ.

والجواب الصَّحِيحُ؛ أن ينكر أَصْلَ الإِيدَاع، أو يقول: هَلَكَتْ في يدي، أو رَدَدْتُهَا. وهذا يُخَالِفُ ظاهر كَلاَمِ الأئمة -رحمهم الله-؛ أَلاَ تَرَى أنا نقول: فيمن جَحَدَ الوَدِيعَةَ، فقامت بَيِّنَةٌ على الإِيدَاعِ، فادعى تَلَفاً، أو رَدّاً قبل الحجود، يُنْظَرُ؟ إن كانت صِيغَةُ جُحُودِهِ، إِنْكَارَ أَصْلِ الوَدِيعَةِ، فالحكم كذا، وإن كانت صِيغَةُ جُحُودِهِ: لا يلزمني تَسْلِيمُ شَيْءٍ إليك، فالحكم كذا؟

فأما أن يُقَدَّرَ خلاف، أو يؤوَلُ ما أَطْلَقُوهُ (١) وأنه لو أقام بَيِّنَةً أنه أَجيرُ فلان لِحِفْظِ سَفِينَتِهِ هذه بعشرة دَرَاهِمَ، وأقام صاحب السَّفِينَةِ بَيِّنَةً: أنه أَجَّرَهَا إياها (٢) بعشرة دَرَاهِمَ، فالبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ.

وعن أبي حَنِيْفَةَ أن بَيِّنَةَ الأَجِير أَوْلَى أنه لو (٣) شهد شَاهِدَان بأن الكَلْبَ وَلَغَ في هذا الإِنَاءِ، ولم يَلْغُ في هذا [الإناء] (٤) وآخران على ضد ذلك، تَتَعَارَضُ البَيِّنَتَانِ، ولو لم يقولوا: لم يَلْغُ في هذا، فالإِنَاءَانِ نَجِسَانِ. وهذه شَهَادَةٌ على إثبات، ونفي. ويمكن


(١) قال النووي في زياداته: الذي قاله ابن القاص صحيح، وتأويل كلامهم متعين، وهو أنهم أرادوا إذا جرى منه هذا اللفظ، فحكمه كذا؛ لأن القاضي يقنع منه بهذا الجواب مع طلب الخصم الجواب. والله أعلم وتعقب بأنه سبق قلم وصوابه العبادي، وقال ابن الزنجاني في مختصر شرح الوجيز: ما ذكره العبادي ظاهر لا سيما إذا كان المودع فقيهاً.
(٢) في ز: منه.
(٣) في ز: أنه لو.
(٤) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>