للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: لو شهد عنده شاهدان: أنك حَكَّمْتَ لفلانٍ بكذا، وهو لا يتذكر، لم يقبل شهادتهما، ولم يحكم بقولهما، إلا أن يشهدا على الحق بعد إعادة الدعوى، وقال أحمد: يقبل شهادتهما ويمضي حكمه، وعن ابن القاصِّ تخريجُ قول مثله للشافعيِّ -رضي الله عنه- وجه ظاهر المذهب: أن حكمه فعله، والرجوع إلى اليقين هو الأصل في فعل الإِنسان.

وكذلك نأخذ عند الشك في عدد الركعات باليقين، ولو شهد شاهدان: أنك تحمَّلْتَ الشهادة في واقعة كذا، ولم يتذكَّر، لم يجز له أن يشهد، ويخالف ما نحن فيه، رواية الحديث، فإنَّ الراوي إذا نسي، يجوز له أن يقبل ممن سمعه منه؛ كما اشتهر أن سُهَيْلَ بْنَ أبي صالِحٍ -رضي الله عنه- يروي حديث القضاء بالشاهد واليمين عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وسمعه منه ربيعة -رضي الله عنه- ثم إنه اختل حفظه بشَجَّة أصابته، وكان يقول: أخبرني ربيعة: أني أخبرته عن أبي هريرة، والفرق ما سبق أن الرواية مبنية على المسامحة، ولذلك لم يشترط فيها العدد، وقبلت من العبد والمرأة، بخلاف الشهادة على أنَّ القاضِيَ ابن كج حَكَى وجهًا عن بعض الأصحاب: أن الحكم في الرواية كما ذكرنا في القضاء، وإذا لم يتذكر القاضي، فحقه أن يتوقف، ولا يقول: لم أحكم، وهل للمدعي، والحالةُ هذه، تحليف الخصم على أنه لا يعرف حكم القاضي؟ قال صاحب "التهذيب": يَحْتَمِلُ وجهين (١)، ولو شهد الشاهدان على حكمه عند قاض آخر؛ فيقبل شهادتهما، ويمضي حكم الأول، إلا إذا قامت البينة على أن الأول أنكر حكمه وكذبهما.

وإن قامت البَيِّنَة على أنه توقَّف، فوجهان، أوفقهما لكلام الأكثرين أنه يقبل شهادتهما وقال الأودنيُّ وصاحب "المهذب": لا تقبل؛ لأن موقفه يورث التهمة، وعلى هذا، فلو شهد شاهدان عَلَى أن شاهدَي الأصل توقَّفَا في الشهادة، لم يجُزِ الحكم بشهادة الفُرُوع.

الثانية: إذا ادَّعَى على القاضي: أنكَ حَكَمْتَ لي بكذا حكى الإِمام في "النهاية" عن الأصحاب: أنه ليس له أن يرفعه إلى قاضٍ آخر، ويحلفه كالشاهد، إذا أنكر الشهادة لا يحلف، وعن القاضي الحُسَيْن: أنا، إن جعلنا اليمين المردودة كالإِقرار، فله أن يحلفه؛ ليحلف إن نكل، فيكون كقول القاضي: نعم حكَمْتُ إذا ادَّعَى عليه، وهو قاضٍ.


(١) سكت المصنف عن ترجيح أحد الاحتمالين.
قال في الخادم: إن البغوي بناهما في التعليق على الخلاف في اليمين المردودة إن قلنا كالبينة فلا يحلف أو كالإقرار فيحلف لأن إقرار المدعى عليه يقول لكن الراجح المنع فإن القاضي الحسين والشيخ إبراهيم المروذي نقلا منع الحلف عن الأصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>