الطَّبَرِيّ، وموضع القولين ما إذا كانت مدة الانقطاع زائدة على الفترات المعتادة بين دفعات الدم، فإنه لا يسيل دائماً في الغالب، فإن لم يزد عليها فلا خلاف في كون الكُل حيضًا، وهذا بين من إلحاقه أيام النقاء على قول السحب بها.
وقد قال إمام الحرمين في الفرق بينهما: إن دم الحيض يجتمع في الرَّحم ثم الرحم يقتره شيئاً فشيئًا، فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء دفعة أخرى من الرحم إلى المنفذ فما زاد على ذلك فهو النَّقاء الذي فيه القولان، وربما يتردد الناظر في أن مطلق الزائد على المدة الذكورة هل تخرج عن حد الفترات المعتادة؟ لأن تلك المدة يسيرة والله أعلم بالصواب.
ولا فرق على القولين بين أن يكون قدر الدم أكثر من قدر النقاء، أو قدر النقاء أكثر، أو يكونا متساويين، وإذا رأت صفرة أو كدرة بين سوادين، فإن قلنا: الصفرة في غير أيام العادة ليست حيضًا فهو من صور التقطع.
قال الرافعي: غرض الفصل بيان قاعدتين يشرطان على قول السّحب.
إحداهما: لا بد من كون النقاء مُحْتُوَشًا بدمين في الخمسة عشر ليثبت لهما حكم الحيض، ثم ينسحب على ما بينهما، أما النَّقَاء الذي لا يقع بين دَمَينِ، فهو طهر لا محالة، وضرب له في الكتاب مثالاً، وهو ما إذا رأت يوماً وليلة دماً وأربعة عشر نَقَاء، ورأت في السادس عشر دماً، فالأربعة عشر طهر، إذ ليس بعدها دم محكوم له بالحيض، حتى ينسحب حكمه على النقاء، وإنما شرط في هذا المثال أن ترى الليلة دماً مع اليوم، لأنه لا دم في الخمسة عشر سوى ما رأته أولاً، فلو كان في اليوم وحده لما كان لها حيض أصلاً، وحينئذ لا يقتصر الطهر على الأربعة عشر وما بعدها، بل يعم الكل، ولا يخفى أن الغرض من قوله:"فالنَّقَاء مع ما بعده من الدّم طهر" التسوية بينهما في نفي الحيض لا في أحكام الطهارة مطلقاً، فإنها مُسْتَحَاضة في زمان الدَّم دون أيام النَّقاء، ولك ألا تستحسن هذا المثال في هذا الموضع؛ لأنه الآن يتكلم فيما إذا لم يجاوز الدم الخمسة عشر، وفي هذه الصورة قد جاوز واللائق غير هذا المثال، نحو ما