وأصحهما: لا تجب؛ لأنه في الحَجِّ والعمرة أحد الأَعْمَال، فيكفي فيه نية النُّسُكِ في الابتداء، على هذا فهل يُشْتَرَطُ أن لاَ يصرفه إلى عَرَضٍ آخر من طَلَب غَرِيمٍ ونحوه؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نعم، وهما كالوجهين فيما إذا قصد في أثناء وضوءه لغسل باقي الأعضاء تبرداً ونحوه.
إذا عرفت ذلك فلو أن الرجل حَمَل محرماً من صبي أو مريض أو غيرهما وطاف به، نظر إن كان الحاملُ حلالاً أو كان قد طافَ عن نفسه حُسِبَ الطواف للمحمول بَشَرْطِهِ، وإن كان محرماً ولم يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ نظر إن قصد الطَّوَاف عَنِ المَحْمُولِ ففيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه يقع للمحمول دون الحَامل، وينزل الحَامِلُ منزلَة الدَّابَّةِ، وهذا يخرج على قولنا: أنه يشترط أن لا يصرف طوافه إلى غرضٍ آخر.
والثَّاني: أنه يقع عن الحَامِل دون المحمول، وهذا يخرج على قولنا: أنه لا يشترط ذلك، فإن الطواف حينئذٍ يكون محسوباً له، وإذا حسب له لم ينصرف إلَى غَيْرِهِ، بخلاف ما إذا حمل مُحْرِمَيْنِ وطاف بهما وهو حَلاَلٌ أَوْ مُحْرِمٌ، وقد طاف حيث يجزئهما جميعاً، فإن الطَّواف ثم غير محسوب لِلْحَامِلِ، والمحمولان كراكبي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، وربما يوجه هذا الوجه بالتشبيه بما إذا أحرم عن غيره، وعليه فَرْضُه.
والثالث: أنه يحسب لهما جميعاً؛ لأن أحدهما قد دَارَ والآخر دِيرَ بهِ. وإن قصد الطَّواف عَنْ نَفْسِهِ وقع عنه، وهل يحسب عن المحمول؟ قال الإمام: لا، وحكى وفاق الأصْحَاب فيه، وبمثله أجاب فيما إذا قصد الطَّوَافِ لِنَفْسِهِ وَللْمَحْمُولَ، وصاحب "التهذيب" حكى في حصوله للمحمول مع الحُصُولِ لِلْحَامِلِ وجهين؛ لأنه دَار به، ولو طاف به ولم يقصد واحداً من الأقسام الثلاثة فهو كما لو قَصَدَ نَفْسَهُ أو كِلَيْهِمَا.
وقوله في الكتاب:(لو طاف المحرم بالصبي الذي أحرم عنه) قد ذكرنا أن المسألة غير مخصوصة بما إذا كان المحمول صبيّاً، والأولى أن يقرأ قوله (أُحْرِمَ بهِ) على المجهول، إذ لا فرق بين أن يكون الحَامِلُ إليه الذي أحرم به أو غيره، ثم لفظ الكتاب يقتضى عدم إجزائه لِلصَّبِيِّ فيما إذا لم يَطُف الحَامل مطلقاً، لأنه أطلق الاستثناء، لكن فيه التّفصيل، والخلاف الذي كتبته، والظاهر فيما إذا قَصَد الطَّوافِ للمحمول إجزاؤه للمحمول على ما تقرر، فإذًا لفظ الكتاب محمول على ما إذا لم يقصد ذلك، وفي "الوسيط" ما يشير إليه.