للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل يُسَنُّ في ركعتي الطَّوَافِ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كما في سائر أعمال الطواف.

وأصحهما: لا؛ لكراهية الاضطباع في الصَّلاَةِ، والخلاف فيهما متولد من اختلاف الأصْحَاب في لفظ الشافعي -رحمه الله- في "المختصر" وهو أنه قال: ويضطبع حتى يَكْمُلَ سَعْيُه. فمنهم من نقله هكذا.

ومنهم: من نقل حتى يكمل سَبْعَة، وهذا الاختلاف عند بعض الشارحين متولد من اختلاف النسخ، وعند بعضهم من اختلاف القِرَاءة، لتقاربهما في الخَطِّ، فمن نقل سَعْيَه حكم بإدامة الاضطباع في الصَّلاَةِ والسَّعْيِ، ومن قال سبعة قال: لا يضطبع بعد الأشْوَاطِ السَّبْعَةِ، وظاهر المذهب ويحكي عن نصه: أنه إذا فرغ من الأشْوَاط ترك الاضطباع حتى يُصَلِّيَ الركعتين، فإذا فرغ منها أعاد الاضطباع وخرج لِلسَّعْيِ، وهذا يحوج إلى تأويل لفظ "المختصر" على التقديرين، فتأويله على التقدير الأول أنه يضطبع مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وعلى التقدير الثاني أنه يديم اضطباعه الأول إلى تَمَام الأَشْوَاطِ، ثم اللفظ ساكت عن أنه يعيده أو لا يعيده؟. وليس في حَقِّ النساء رَمَلٌ ولا اضطباع حتى لا ينكشفن، ولا تبدوا أعضاؤهن، وحكى القاضي ابْنُ كَجٍّ -رحمة الله عليه- وَجْهَيْنِ في أن الصَّبِيَّ هَلْ يضطبع؟ لأنه ليس فيه نصرة ولا جلادة كالنِّسوة، والظاهر أنه يضطبع.

وقوله في الكتاب: (أن يجعل وسط إزاره) ذكر الرداء في هذا الموضع أليق، وكذلك قاله الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- وعامة الأصْحَابِ -رحمهم الله-.

وقوله: (إلى آخر الطواف في قول إلى آخر السَّعْي في قول) إطلاق القولين فيه غَرِيب، والذين رووا الخِلاَف فيه رووهما وجهين، إلا أن حُجَّةَ الإِسْلاَم -رحمه الله- نظر إلى استناد الخلاف إلى ما قَدَّمْنَا من قَوْلِ الشافعي -رضي الله عنه-، ثم عبارة الكتاب في القول الثاني تقتضي استحباب الاضطباع في ركعتي الطَّوَافِ أيضاً، وفيه ما ذكرناه.

قال الغزالي: فَرْعٌ لَوْ طَافَ المُحْرِمُ بِالصَّبِيِّ الَّذي أَحْرَمَ عَنْهُ أَجْزَأَ عَنِ الصَّبِيَّ إِلاَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ طَاف عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الحَامِلَ أَوْلَى بِهِ، فَيَنْصَرِفَ إِلَيْهِ وَلاَ يَكْفِيهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ بِخِلاَف مَا إِذَا حَمَلَ صَبِيَّيْنِ وَطَافَ بِهِمَا فإنَّهُ يُكْفِي الصَّبِيَّيْنِ طَوَافٌ وَاحِدٌ كَرَاكِبَيْنِ عَلَى دَابَّةٍ.

قال الرافعي: هذا الفرع لا اختصاص له بالصبي وإن صوَّره فيه، ولو اختص به لكان موضعه الفَصْلُ الأَخِيرُ مِنْ الباب المعقود في حُكْمِ الصَّبِيِّ، ثم هو ناظر إلى مسألةٍ نذكرها أولاً، وهي أن الطَّوافَ هَلْ يَجِبُ فِيهِ النية؟ وفيه وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>